حجية الظن الاطمئناني لا محيص عنها في جميع الملل والنحل.
وإن شئت قلت : إنّ بناء العقلاء طرا على الاعتماد في أمور معاشهم ومعادهم على الظن المورث للاطمئنان ، فثبت أنّ أهل كلّ مذهب ونحلة يحتاجون في إثبات الأحكام الإلهية إلى الأخبار ، ويستحيل عادة التواتر في جميع الأحكام ـ تكليفيها ووضعيها ـ فلا بدّ لأهل كلّ دين في إثبات الأحكام من الاعتماد على الموثوق به من أخبار الآحاد ، ولا ريب في أنّ الخبر ـ من حيث هو خبر ـ يحتمل الصدق والكذب ، فلا يثبت شيء إلاّ بملاحظة حال المخبرين من الوثاقة ، والكثرة ، والاعتضاد .. ونحوها. وقد أوضحنا في الأمر الثالث ـ من الأمور الملحقة بالمقام الثالث (١) ـ فساد ما زعمه جمع من المحدثين من قطعيّة أخبار الكتب الأربعة ، وعدم الغناء معها عن علم الرجال ، مع أنّه على فرض قطعيتها فالحاجة إلى علم الرجال في الترجيح بالأعدلية والأوثقية باقية (٢).
__________________
(١) صفحة : ١١٤ ـ ١٥٤ من المجلّد الأوّل.
(٢) وأيضا ؛ لا يصحّ الرجوع إلى الغير ؛ لاحتمال رجوع الغير إلى الغير أيضا مع عدم معلومية حاله عندنا ، فيكون تعويلا على من لا يعلم حاله ، وهو غير جائز.
هذا ؛ مع ما هناك من اختلاف في كثير من الرجال أو الأكثر .. فلا يمكن التعويل على أحدهم دون الآخر ؛ إذ هو ترجيح بلا مرجح .. فلزم الترجيح اجتهادا .. ومع عدم العلم بالاختلاف فلا يعوّل لاحتمال وجود الجارح غالبا ـ كالعام قبل الفحص عن مخصصه ـ ليخرج عن عهدة ذلك العلم الإجمالي مع أصالة حرمة العمل بالظن إلاّ ما خرج يقينا فيقتصر عليه ..