وإن كان الرجل من غير أهل الكوفة ؛ فلأنّه ـ مضافا إلى رصد الطرق ـ لم تطل المدة ، ولم يمهل ابن زياد حتى يبلغهم الخبر ؛ فإنّ أسباب وصول الخبر يومئذ من البريد ، والبرق لم يكن متهيّأ ، ورصد الطرق أوجب تأخير وصول الخبر .. ولذا لم يدر الأغلب بالواقعة إلاّ بعد وقوعها ، فعدم الحضور غير قادح في الرجل بعد إحراز وثاقته ، أو حسن حاله ، إلاّ إذا ثبت علمه بالحال وقدرته على الحضور .. وتخلّفه عنه ، كما لا يخفى.
وأمّا المتخلّفون عنه عليه السلام عند حركته من المدينة ؛ فلأنّ الحسين عليه السلام حين حركته ـ وإن كان يدري هو وجمع من المطّلعين على إخبار النبي الأمين صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بمقتضى خبره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه : يستشهد بالعراق (١) إلاّ أنّه في ظاهر الحال ـ لم يكن ليمضي إلى الحرب حتى يجب على كلّ مكلّف متابعته ، وإنّما كان يمضي للإمامة بمقتضى طلب أهل الكوفة ، فالمتخلّف عنه غير مؤاخذ بشيء وإنّما يؤاخذ لترك نصرته من حضر الطف ، أو كان قريبا منه على وجه يمكنه الوصول إليه ونصرته ومع ذلك لم يفعل وقصّر في نصرته ، فالمتخلّفون بالحجاز لم يكونوا مكلّفين بالحركة معه حتى يوجب تخلّفهم الفسق .. ولذا إنّ جملة من الأخيار الأبدال الذين لم يكتب اللّه تعالى لهم نيل هذا الشرف الدائم بقوا في الحجاز ، ولم يتأمّل أحد في عدالتهم ؛ كابن الحنفية .. وأضرابه (٢).
__________________
(١) الخرائج والجرائح ٢/٨٤٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٥/٨٠ ـ ٨١ حديث ٦ ، والفضائل : ١٤١ ، كتاب سليم بن قيس ٢/٩٦٥ [الطبعة المحقّقة] .. وغيرها نقلا بالمعنى.
(٢) إلى هنا حصلنا على مخطوطة الأصل ، وعليه طبقنا.