وهم قد أخذوها منه ، بل ذكرها على سبيل الفرض والتقدير. ولكن القوم الذين أخذوا منه هذه الدعوى ذكروها على سبيل الجزم فتورّطوا ... وهذه عبارة الفخر الرازي :
« ثم إنْ سلمنا أنه منفّر ، ولكن متى؟ إذا حصلت عقيبه مرتبة أخرى أشرف منها ، أو إذا لم يحصل؟ بيانه : وهو إن هارون عليهالسلام لو بقي بعد موسى عليهالسلام ، وقدّرنا أن الله تعالى كان يأمره أن يتولى تنفيذ الأحكام على طريق الأصالة لا على طريق النيابة من موسى عليهالسلام ، كان ذلك أشرف من نيابة موسى ، وعلى هذا التقدير لا يلزم من فوات خلافته لموسى حصول أمر منفّر ».
أقول :
لكنّ ذلك لم يتحقق ، وذاك التقد بر لم يكن ، فيلزم من فوات خلافته لموسى أمر منفّر ، وإذا كان لا يجوز هذا اللازم ، فالملزوم وهو فوات الخلافة غير متحقق.
هذا ، ولو كانت الإشكالات كلّها تندفع وترفع بالتقديرات غير الواقعة وغير الجائزة ، لم يبق إشكال في مسألةٍ أصلاً ، للزم انسداد باب البحث والتحقيق في شتّى العلوم ...
ومن هنا لمّا رأى المتأخّرون عن الرّازي سقوط هذا الاسلوب لرفع الإشكال ، عمد جماعة منهم إلى دعوى حصول النبوة بالإستقلال لهارون بعد موت موسى جزماً ... وقد عرفت سقوطها كذلك.
وجماعة آخرون عمدوا إلى دعوى حصول النبوة بالإستقلال لهارون في حياة موسى عليهالسلام :
منهم : محمود بن عبد الرحمن الإصفهاني في ( شرح التجريد ) ، فإنه قال بعد منع خلافة هارون على قوم موسى : « سلّمنا إنه استخلفه في حال حياته ،
__________________
(١) الكوكب المنير شرح الجامع الصغير مخطوط.