ولكن لا نسلّم استخلافه له بعد موته ، فإن قوله ( اخْلُفْنِي ) ليس فيه صيغة عموم بحيث يقتضي الخلافة في كلّ زمان ، ولهذا فإنه لو استخلف وكيلاً في حال حياته على أمواله ، فإنه لا يلزم من ذلك استمرار استخلافه له بعد حياته ، وإذا لم يكن ذلك مقتضياً للخلافة في كل زمان ، فعدم خلافته في بعض الزمان لقصُور دلالة اللفظ عن استخلافه فيه لا يكون عزلاً له ، كما لو صرّح بالإستخلاف في بعض التصرفات دون بعض ، فإن ذلك لا يكون عزلاً فيما لو يستخلف فيه ، وإذا لم يكن عزلاً فلا ينفر.
سلّمنا أن ذلك يكون عزلاً له ، ولكن متى يكون ذلك منفّراً عنه؟ إذا كان قد ازال عنه بالعزل حالة توجب نقصه في الأعين ، أو إذا لم يكن؟ الأول مسلّم والثاني ممنوع. فلِمَ قلتم بأن ذلك مما يوجب نقصه في العين؟ وبيان عدم نقصه هو : إن هارون كان شريكاً لموسى في النبوة ، وحال المستخلَف دون حال الشريك في نظر الناس ، فإذن ، الاستخلاف حالة منقصة بالنظر إلى حال الشركة ، وحال المنقصة لا يكون زواله موجباً للتنقيص.
سلّمنا لزوم النتقيص من ذلك ، لكن إذا لزم منه العود إلى حالةٍ هي أعلى من حالة الإستخلاف ، أو إذا لم يعد؟ الأول ممنوع والثاني مسلّم. لكن لم قلتم أنه لم يعد إلى حالة هي أعلى؟ وبيان ذلك : إنه وإنْ عزل عن الإستخلاف فقد صار بعد العزل مستقلاً بالرسالة عن الله تعالى لا عن موسى ، وذلك أشرف من استخلافه عن موسى ».
ومنهم : إسحاق الهروي ، حيث قال ( في السهام الثاقبة ) : « ولو سلّم فأيّ دلالة على بقاء الخلافة بعد موت موسى عليهالسلام ، وانتهاء الشغل بانتهاء العمل ليس من باب العزل ، خصوصاً إذا اشتمل على العود إلى حالة أكمل ، وهو الإستقلال بالنبوّة والتبليغ من الله ، لا من موسى عليهالسلام ».