وقال عبيد الله بن تاج الشريعة :
« على أنّ الأشعري سلّم لاحسن والقبح عقلاً. بمعنى الكمال والنقصان ، فلا شك أن كل كمال محمود ، وكل نقصان مذموم ، وأن أصحابنا الكمالات محمودون بكمالاتهم ، وأصحاب النقئص مذمومون بنقائصهم ، فإنكاره الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمد أو يذم الموصوف بهما ، في غاية التناقض ، وإنْ أنكرهما بمعنى أنه لا يوجد في الفعل شيء يثاب به الفاعل أو يعاقب لأجله فنقول :
إنْ عنى أنّه لا يجب على الله تعالى الاثابة أو العقاب لأجله ، فنحن نساعد في هذا ، وإنْ عنى أنه لا يكون في معرض ذلك ، فهذا بعيد عن الحق ، وذلك لأنّ الثواب والعقاب آجلاً وإن كان لا يستقل العقل بمعرفة كيفيّتهما ، لكن كل من علم أن الله تعالى عالم بالكليّات والجزئيّات ، فاعل بالإختيار ، قادر على كلّ شيء ، وعلم أنه غريق نعمة الله تعالى في كلّ لمحة ولحظة ، ثم مع ذلك كلّه ، ينسب من الصّفات والأفعال ما يعتقد أنه في غاية القبح والشناعة إليه ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. فلم ير باعتقاده أنه يستحق بذلك مذمّة ، ولم يتقيّن أنه في معرض سخطٍ عظيم وعذاب أليم ، فقد سجّل على غباوته ولجاجه ، وبرهن على سخافة عقله واعوجاجه ، واستخفّ بفكره ورأيه ، حيث لم يعلم بالشرّ الذي من ورائه ، عصمنا الله تعالى عن الغباوة والغواية ، وأهدانا هدايا الهداية.
فلمّا أبطلنا دليل الأشعري ، رجعنا إلى إقامة الدليل على مذهبنا ، وإلى الخلاف الذي بيننا وبين المعتزلة :
م : وعند بعض أصحابنا والمعتزلة حسن بَعض أفعال العباد وقبحها يكونان لذات الفعل أو لصفةٍ له ، ويعرفان عقلاً أيضاً.
ش : أي يكون ذات الفعل بحيث يحمد فاعله عاجلاً ويثاب آجلاً لأجله ،