ولا نزاع في أن كلّ واجب حسن وكل حرام قبيح ، إلاّ أنهم لم يقولوا بالوجوب أو الحرمة على الله تعالى ، وجعلوا الحاكم بالحسن والقبح والخالق لأفعال العباد هو الله تعالى ، والعقل آلة لمعرفة بعض ذلك ، من غير إيجاب ولا توليد ، بل بإيجاد الله تعالى ، من غير كسبٍ في البعض ، ومع الكسب بالنظر الصّحيح في البعض » (١).
وقال ابن الهمام :
« لا نزاع في استقلال العقل بإدراك الحسن والقبح ، بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل ، وَرَدَ به الشرع أم لا ، وبمعنى ملائمة الغرض وعدمها ، كقتل زيد بالنسبة إلى أعدائه وإلى أوليائه. إنما النزاع في استقلاله بدركه في حكم الله تعالى :
فقال المعتزلة : نعم ، يجزم العقل بثبوت حكم الله في الفعل بالمنع ، على وجهٍ ينتهض معه سبباً للعقاب ، إذا أدرك قبحه ، وبثبوت حكمه جل ذكره فيه بالإيجاب والثواب بفعله ، والعقاب بتركه إذا أدرك حسنه ، على وجهٍ يستلزم تركه قبحاً ، كشكر المنعم. وهذا بناء على أن للفعل في نفسه حسناً وقبحاً ذاتيين أو لصفةٍ فيه ، قد يستقل بدركها فيعلم حكم الله تعالى باعتبارهما فيه ، وقد لا يستقل فلا يحكم بشيء حتى يرد الشرع ، كحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من شوّال.
وقالت الأشاعرة قاطبةً : ليس للفعل نفسه حسن ولا قبح ، وإنّما حسّنه ورود الشرع بإطلاقه وقبّحه وروده بحظره. وإذا ورد الشرع بذلك فحسنّاه أو قبّحناه بهذا المعنى ، فحاله بعد ورود الشرع بالنسبة إلى الوصفين كحاله قبل وروده ، فلا يجب قبل البعثة شيء ، لا إيمان ولا غيره ، ولا يحرم كفر.
__________________
(١) شرح المقاصد ٤ / ٢٩٣.