وهو قول عامّة علماء سمرقند ، وقول بعض علمائنا من أهل العراق ، وقد ذكر الكرخي في مختصره عن أبي حنيفة ـ رضياللهعنه ـ أنّه قال : لا عذر لأحدٍ في معرفة الخالق ، لِما يرى في العالم من أمارات الحدوث. وأئمّة بخارى الذين شاهدناهم كانوا على القول الأول.
والمسألة تعرف بأنّ العقل هل هو موجب؟ عند الفريق الأول : غير موجب. وعند الفريق الثاني : موجب. وهذا مجاز من الكلام ، فإنّ العقل لا يكون موجباً شيئاً ، ولكن عند المعتزلة وأبي منصور الماتريدي ـ رحمهالله ـ وعند من يقول بقولهم : الله تعالى هو الموجب ولكن بسبب العقل ، فيكون العقل عندهم سبب الوجوب.
وفائدة الإختلاف : إن من لم تبلغ دعوة رسولٍ مّا ، ولا دعوة رسولٍ من رسله ، ولم يؤمن ، هل يخلد في النار؟ عند الفريق الأول : لا يخلد ، ويكون حكمه حكم المجانين والأطفال. وعند الفريق الآخر : يخلد. ولكن عند الفريق الأول : لو أسلم مع هذا يصح إسلامه ويصير من أهل الجنة.
وكذا الصبي العاقل عند الفريق الأول لا يخاطب بأداء الإسلام ، ولكن إذا أسلم يصح إسلامه في أحكام الدنيا والآخرة جميعاً ... » (١).
وقال السعد التفتازاني :
« ... ولقوّة هاتين الشبهتين ذهب بعض أهل السنّة ـ وهم الحنفيّة ـ إلى أنّ حسن بعض الأشياء وقبحهها مما يدرك بالعقل ، كما هو رأي المعتزلة ، كوجوب أول الواجبات ، ووجوب تصديق النبي عليه الصلاة والسلام ، وحرمة تكذيبه ، دفعاً للتسلسل ، وكحرمة الإشراك بالله تعالى ، ونسبة ما هو في غاية الشناعة إليه ، على من هو عارف به وبصفاته وكمالاته ، ووجوب ترك ذلك.
__________________
(١) اصول العقائد : ٦١.