وقال القاري :
« إنّ العقل آلة للمعرفة ، والموجب هو الله تعالى في الحقيقة ، ووجوب الإيمان بالعقل مروي عن أبي حنيفة ، فقد ذكر الحاكم الشهيد في المنتقى : إن أبا حنيفة قال : لا عذر لأحدٍ في الجهل بخالقه ، لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وغيره. ويؤيده قوله تعالى : ( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (١) وقوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) وحديث : كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه. قال : وعليه مشاخينا من أهل السنّة والجماعة.
حتى قال الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي في الصبي العاقل : إنه يجب عليه معرفة الله تعالى ، وهو قول كثير من مشايخ العراق ، خلافاً لكثيرٍ من مشايخنا ، لعموم قوله عليهالسلام : رفع القلم عن ثلاث : الصبي حتى يبلغ أي يحتلم. الحديث. وحمل الشيخ أبو منصور الحديث على الشرائع ، مع اتّفاقهم أن إسلام هذا الصبي صحيح ويدعى هو إلى الإسلام كما يدعى البالغ إليه. وقال الأشعرري : لا يجب ، لقوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) واجيب : بأن الرسول أعم من العقل والنبي ... » (١).
وقال البزودي :
« قال أهل السنّة والجماعة : لا يجب أداء شيءٍ مّا إلاّبالخطاب من الله تعالى على لسان واحدٍ من عباده ، وكذا لا يجب عليه الإمتناع عن شيء مّا إلاّبه ، وبه قال الأشعري. وعند المعتزلة : يجب الإيمان بالله تعالى والشكر له قبل بلوغ الخطاب. وهل يجب عندهم الإقرار بالرسل؟ عند بعضهم لا يجب.
وقد قال الشيخ أبو منصور الماتريدي ـ رحمهالله ـ بمثل ما قال المعتزلة
__________________
(١) شرح الفقه الاكبر ، الوسائل الملحقات : ١٦٦.