التصديق والعلم بالرسول ، ولذلك قال الله تعالى ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) ولو كان معرفة الله من قبل الرسول لا من قبل الله ، لكانت المنّة في معرفة الله من قبل الرسول على الناس ، ولكن المنّة لله على الرسول في معرفة الربّ عزّ وجل ، والمنّة لله على الناس بما عرّفهم من التصديق بالرسول ، ولذلك لا ينبغي لأحدٍ أن يقول إن الله يُعرف من قبل الرسول ، بل ينبغي أن يقول العبد لا يعرف شيئاً من الخير إلاّمن قبل الله تعالى ».
وقال ابن الهمام :
« واعلم أن الحنفيّة لمّا استحالوا عليه تكليف ما لا يطاق كما مرّ ، فهم لتعذيب المحسن الذي استغرق عمره في الطّاعة مخالفاً لهوى نفسه في رضا مولاه أمنع ، بمعنى أنه يتعالى عن ذلك ، فهو من باب التنزيهات ، إذ التسوية بين المسيء والمحسن أمر غير لائق بالحكمة في نظر سائر العقول. وقد نصّ تعالى على قبحه حيث قال : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) ، فجعله حكماً سيّئاً » (١).
وقال :
« وقد تقدّم أن محلّ الإتّفاق إدراك العقل القبح الفعل ، بمعنى صفة النقص وحسنه بمعنى صفة الكمال ، وكثيراً مّا يذهل أكابر الأشاعرة عن محل النزاع في مسألتي التحسين والتقبيح العقليين ، لكثرة ما يُشعرون النفس أنْ لا حكم للعقل بحسنٍ ولا قبح ، فذهب لذلك عن خاطرهم محل الإتفاق ، حتى تحيّر كثير منهم في الحكم باستحالة الكذب عليه تعالى لأنه نقص ، لمّا ألزم القائلون بنفي الكلام
__________________
(١) المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة ، الأصل الخامس من الركن الثالث.