النفسي القديم الكذب على تقدير قدمه في الإخبارات ، وهو مستحيل عليه لأنه نقص.
حتى قال بعضهم ـ ونعوذ بالله مما قال ـ : لا يتم استحالة النقص عليه تعالى إلاّعلى رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي.
وقال إمام الحرمين : لا يمكن التمسّك في تنزيه الربّ جلّ جلاله عن الكذب بكونه نقصاً ، لأن الكذب عندنا لا يقبح بعينه.
وقال صاحب التلخيص : الحكم بأن الكذب نقص أن كان عقليّاً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً ، وإنْ كان سمعيّاً لزم الدور.
وقال صاحب المواقف : لم يظهر لي فرق بين النقص العقلي والقبح ، بل هو هو بعينه.
وكلّ هذا منهم للغفلة عن محلّ النزاع ، حتى قال بعض محققي المتأخرين منهم ـ بعد ما حكى كلامهم هذا ـ وأنا أتجّب من كلام هؤلاء المحققين الواقفين على محلّ النزاع في مسألتي الحسن والقبح العقليين » (١).
أقول :
حمل كلامهم على الغفلة عن محلّ النزاع لا يخلّص القوم عن الورطة ، لأنّهم على كل حالٍ يصرحون بجواز الكذب على الله تعالى.
ثم إنه وإنْ كان الحسن والقبح العقليّان بمعنى النقص والكمال ممّا يعترف به الأشاعرة ، إلاّ أنه بناءً على امتناع صفة النقص عليه تعالى ، ووجوب اتّصافه بصفات الكمال عقلاً ، يمتنع عليه سائر القبائح ، مثل تعذيب المحسن والتكليف بما لا يطاق ، لأن جواز صدور القبائح أيضاً صفة نقص عليه ... وعلى هذا ينهدم
__________________
(١) المسايرة في العقائد النمجية في الآخرة ، الأصل الخامس من الركن الثالث.