ثم إنّه قد أجاب علم الهدى السيد المرتضى رحمهالله عن شبهة القاضي عبد الجبار هذه ، فقال :
« لم قلت إنّ ما يقدَّر لا يصح وصفه بأنه منزلة؟ فما نراك ذكرت إلاّما يجري مجرى الدعوى! وما أنكرت من أنْ يوصف المقدر بالمنزلة اذا كان سبب استحقاقهُ وجوبه حاصلاً وليس يخرج بكونه مقدراً ، من أنْ يكون معروفاً يصح أنْ يشار إليه ويشبّه به غيره ، لأنه إذا صحَّ وكان مع كونه مقدّراً معلوماً حصوله ووجوبه عند وجود شرطه فالإشارة إليه صحيحة والتعريف به حاصل ، وقد رضينا بما ذكرته في الدِّين ، لأنه لو كان لأحدنا على غيره دين مشروط يجب في وقتٍ منتظر ، يصح قبل ثبوته وحصوله أن تقع الإشارة إليه ويحمل غيره عليه ، ولا يمتنع من جميع ذلك فيه كونه منتظراً متوقَّعاً ، ويوصف أيضاً بأنّه دين وحق ، وإنْ لم يكن في الحال ثابتاً.
ومما يكشف عن بطلان قولك : إن المقدر وإنْ كان مما يعلم حصوله لا يوصف بأنه منزلة : أنَّ أحدنا لو قال : فلان مني بمنزلة زيد من عمرو في جميع أحواله ، وعلمنا أن زيداً قد بلغ من الإختصاص بعمرو والقرب منه والزلفة عنده إلى حدٍ لا يسأله معه شيئاً من أمواله إلاّ أجابه إليه وبذله ، ثم إن المشبّه حاله بحاله لو سأل صاحبه درهماً من ماله أو ثوباً لوجب عليه ـ إذا كان قد حكم بأن منزلته منه منزلة من ذكرناه ـ أنْ يبذله له ، وإنْ لم يكن وقع ممن شبّه حاله به مثل تلك المسألة بعينها ، ولم يكن للقائل الذي حكينا قوله أنْ يمنعه من الدرهم والثوب ، بأنّ يقول : انني جعلت لك منازل فلان من فلان ، وليس في منازله أنّه سأله درهماً أو ثبواً فأعطاه في كل واحدة منهما ، بل يوجب عليه جميعُ من سمع كلامه العطيةَ من حيث كان المعلوم من حال من جعل له مثل منزلته أنه لو سأله في ذلك كما سأل هذا اجيب إليه ، وليس يلزم على هذا أن تكون الصلاة السادسة وما أشبهها من العبادات التي لو أوجبها الرسول عليهالسلام علينا لوجب مما يجري عليها الوصف الآن