المدينة يتجسّس الأخبار ، فبينما هو كذلك إذ قدم عليه عبدالرّحمان بن حميد الجمحي ، فلمّا أشرف عليهم تسابقت إليه الصّحابة وقالوا : من أين؟ فقال : من الشّام ، فبشّروا الصدّيق بذلك ، وأنّ الله قد نصر المسلمين ، فسجد لله شكراً ، فأقبل عبدالرّحمان وقال : السّلام عليك يا خليفة رسول الله ، إرفع رأسك فقد أقرّ الله عينك بالمسلمين ، فرفع أبو بكر رضياللهعنه رأسه وسلّم إليه الكتاب ، وكان بخط أبي عبيدة رضياللهعنه ، فقرأ أبو بكر الكتاب سرّاً ، فلمّا فهم ما فيه قرأه على النّاس جهراً ، وتزاحم النّاس وشاع الخبر في المدينة. قال : فأتى النّاس يهرعون إلى باب المسجد ، فقرأه أبو بكر رضياللهعنه ثالثةً.
قال : وتسامع النّاس من أهل المدينة بما فتح الله على أيدي المسلمين وما ملكوا من الأموال ، فتبايعوا للخروج رغبة في الثّواب وسكنى الشام.
وبلغت الأخبار إلى أهل مكّة ، فأقبل المدينة من أهل مكّة عظماؤهم وأكابرهم بالخيل والحديد والبأس الشّديد ، على أوائلهم أبو سفيان صخر بن حرب ، والعيداق بن هاشم ، ونظراؤهم ، فأقبلوا يستأذنون أبا بكر في الخروج إلى الشام ، ذكّره عمر بن الخطاب خروجهم إلى الشّام وقال لأبي بكر : إنّ هؤلاء القوم لنا في قلوبهم طرائد وحقائد ، والحمد لله الّذي كانت كلمة الله هي العليا وكلمتهم هي السّفلى ، وهم على كفر ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ، ونحن نقول إذ ذاك : ليس مع الله آلهة اخرى ، وهم يقولون إنّ معه آلهة اخرى ، فلمّا أن أعزّ الله ديننا ونصر شريعتنا أسلموا خوفاً للسّيف ، ولمّا سمعوا أنّ جند الله قد نصروا على الرّوم أتونا لنبعث بهم إلى الأعداء ، ليقاسموا السابقين المهاجرين والأنصار ، والصّواب أن لا ننفذهم. فقال أبو بكر رضياللهعنه : إنّي لا أخالف لك قولاً ولا أعصي لك أمراً.
قال : وبلغ أهل مكّة ما تكلّم به عمر ، فأقبلوا بأجمعهم إلى أبي بكر