الصدّيق رضياللهعنه إلى المسجد ، فوجدوا حوله جماعة من المسلمين وهم يتذاكرون ما فتح الله على المسلمين ، وما أظهرهم على المشركين ، وعليّ بن أبي طالب رضياللهعنه عن يمينه وعمر بن الخطّاب عن يساره ، والنّاس حوله ، فأقبلت قريش إلى أبي بكر الصديق رضياللهعنه ، فسلّموا عليه وجلسوا بين يديه ، وتقاولوا من يكون أوّلهم كلاماً.
فكان أوّل من تكلّم أبو سفيان صخر بن حرب ، أقبل على عمر بن الخطاب وقال : يا عمر قد كنت لنا مبغضا في الجاهليّة وقالياً وكنت تحدّ علينا ونحد عليك ، فلمّا هدانا الله إلى الإسلام هدم لك ما في قلوبنا ، لأنّ الإيمان هدم الشرك والبغيضة والكياد ، وأنت تعلم بعد اليوم تشنانا وتبغّضنا ، ألسنا إخوانكم في الإسلام وبني أبيكم في النّسب؟ فما هذه العداوة منك إلينا يا بن الخطّاب قديماّ وحديثاّ؟ إمّا أن تغسل ما بقلبك لنا من الحقد والتباغض ، وإنّا نعلم أنّك أفضل منّا وأسبق في الإيمان والجهاد ، ونحن بذلك عارفون وله غير منكرين.
فسكت عمر بن الخطّاب واستحيى حتّى كلّله العرق ثمّ قال : وأيم الله ما أردت بقولي إلاّ انفصال الشرّ وحقن الدّماء ، لأنّ حميّة الجاهليّة في رؤوسكم وأنتم تطاولون في نسبتكم على من سبقكم في الإسلام. فقال أبو سفيان : أنا اشهدكم واشهد خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قد حبست نفسي في سبيل الله ، وكذلك تكلّم سادات مكّة ، فرضي الإمام عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، وقال أبو بكر : اللهمّ بلّغهم أفضل ما يؤمنون ، وآجرهم بأحسن ما يعملون ، وارزقهم النّصر على عدوّهم ولا تمكّنهم من نواصيهم » (١).
فإذا كان خروج الصحابة من مكة إلى المدينة للاستيذان وذهابهم إلى
__________________
(١) فتوح الشام ١ / ٦١ مع اختلاف في بعض الأسامي والألفاظ.