القضية الحقيقية هو وجود الموضوع عينا ولا عبرة بوجوده العلمي ، لان الحكم في القضية الحقيقية على الافراد المفروض وجودها ، فيعتبر في ثبوت الحكم وجود الافراد ، ولا حكم مع عدم وجودها ولو فرض علم الآمر بوجودها ، فالحكم في مثل قوله : العاقل البالغ المستطيع يحج ، مترتب على واقع العاقل البالغ المستطيع ، لا على ما يعلم كونه عاقلا بالغا مستطيعا ، إذ لا اثر لعلمه في ذلك ، فلو فرض انه لم يعلم أن زيدا عاقل بالغ مستطيع لترتب حكم وجوب الحج عليه قهرا بعد جعل وجوب الحج على العاقل البالغ المستطيع ، كما أنه لو علم أن زيدا عاقل بالغ مستطيع وفي الواقع لم يكن كذلك لما كان يجب عليه الحج ، فالمدار في ثبوت الحكم في القضية الحقيقية انما هو على وجود الموضوع خارجا ، من دون دخل للعلم وعدمه في ذلك.
وبذلك يظهر : امتناع الشرط المتأخر ، لأنه بعد ما كان الشيء شرطا وقيدا للموضوع فلا يعقل ثبوت الحكم قبل وجوده ، والا يلزم الخلف وعدم موضوعية ما فرض كونه موضوعا ، على ما سيأتي بيانه ، وارجاع الشرط المتأخر إلى الوجود العلمي انما نشأ من الخلط بين القضية الخارجية والقضية الحقيقية ، فان الوجود العلمي بتحقق الشرائط انما ينفع في القضية الخارجية كما عرفت ، لا في القضية الحقيقية.
نعم في القضية العلم بترتب الملاك والمصلحة على متعلق حكمه له دخل أيضا في صدور الحكم ، الا ان ذلك يرجع إلى باب الدواعي التي تكون بوجودها العلمي مؤثرة ، وأين هذا من باب الشروط الراجعة إلى قيود الموضوع كما سيأتي بيانه ، فان العبرة في ذلك انما هو بوجودها العيني ، ولا اثر لوجودها العلمي.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان الشرط في ثبوت الحكم في القضية الخارجية هو العلم باجتماع شرائط التكليف لا وجودها الواقعي وفي القضية الحقيقية هو وجودها الواقعي لا وجودها العلمي. فهذه إحدى الجهات الثلاث التي تمتاز بها القضية الحقيقية عن القضية الخارجية.
الجهة الثانية :
هي ان القضية الخارجية لا يتخلف فيها زمان الجعل والانشاء عن زمان ثبوت الحكم وفعليته ، بل فعليته تكون بعين تشريعه وانشائه ، فبمجرد قوله : أكرم