كونه محرزا للواقع ، غايته ان العلم محرز بذاته ، وتلك محرزة بالجعل التشريعي.
( الامر الثالث )
بعد ما عرفت من أن جعل الامارات والأصول واقع في رتبة الاحراز ، يظهر لك ان طريقية الطريق ومحرزيته يتوقف على وجود العلم به ، بان يكون واصلا لدى المكلف عالما به موضوعا وحكما ، إذ لا معنى لكون الشيء طريقا وحجة فعلية مع عدم الوصول إليه ، لان طريقيته انما تكون لمحرزيته ومحرزيته تتوقف على الوصول ، وبذلك تمتاز الطرق والأصول عن الاحكام الواقعية ، فان ثبوت الاحكام الواقعية وتحققها لا يتوقف على العلم بها ، وانما العلم يكون موجبا لتنجيزها بخلاف الامارات والأصول ، فان أصل تحققها يتوقف على العلم بها.
لا أقول ان أصل انشائها وجعلها يتوقف على العلم بها ، فان ذلك واضح البطلان لاستلزامه الدور.
بل أقول تحقق المنشأ خارجا وثبوت وصف الحجية والطريقية والمحرزية للشيء فعلا يتوقف على الوصول والوجود العلمي ، فانشائها يكون نظير ايجاب الموجب الذي لا يتحقق ما أوجبه خارجا الا بقبول الاخر ، كما أن انشاء الاحكام الواقعية يكون نظير الايقاعات التي لا يتوقف تحقق منشئاتها على شيء.
وبالجملة : انشاء الطرق والأصول وان لم يتوقف على العلم ، الا ان واجدية المنشأ لصفة الطريقية والمحرزية وكونه طريقا فعلا يتوقف على العلم به ، ولا معنى لطريقية طريق لم يعلم به المكلف ، كما إذا كان هناك خبر عدل لم يعثر عليه ، فالخاص الذي لم يعثر عليه المكلف ولم يصل إليه لايكون حجة فعلية ، ولا طريقا محرزا ، بل الحجة الفعلية والطريق المحرز هو العام ، نعم بعد العثور على الخاص والوصول إليه يتبدل احرازه ويخرج العام عن الطريقية ، ويكون الخاص ح طريقا.
ولا يتوهم : ان العام المخصص واقعا الذي لم يعثر المكلف على مخصصه لم يكن حجة واقعا بل كان من تخيل الحجة ، فان ذلك واضح البطلان ، لأن المفروض ان الخاص لم يكن حجة فعلية ، وحيث لم تخل الواقعة عن حجة فالعام الذي كان قد عثر عليه هو الحجة فعلا ، كما أنه لو لم يعثر على العام أيضا كان الأصل الجاري في