والطبيعة بلحاظ مرآتية العنوان لما ينطبق عليه في الخارج ، بحيث يرد الحكم على الخارجيات بتوسط العنوان الجامع لها. وبذلك تمتاز القضية الحقيقية عن القضية الطبيعية ، حيث إن الحكم في القضية الطبيعية وارد على نفس الطبيعة ، لا بلحاظ وجودها الخارجي ، بل بلحاظ تقررها العقلي ، كما في قولك : الانسان نوع ، أو كلي ، وغير ذلك من القضايا الطبيعية. وهذا بخلاف القضية الحقيقية ، فان الحكم فيها وان رتب على الطبيعة لكن لا بلحاظ تقررها العقلي ، بل بلحاظ تقررها الخارجي ، وهو معنى لحاظ العنوان مرآة لما في الخارج.
ومما ذكرنا ظهر : المايز بين القضية الخارجية والقضية الحقيقية أيضا ، فان الحكم في القضية الحقيقية كما عرفت مترتب على الخارج بتوسط العنوان ، واما في القضية الخارجية فالحكم فيها ابتداء مترتب على الخارج بلا توسط عنوان ، سواء كانت القضية جزئية أو كلية ، فان الحكم في القضية الخارجية الكلية أيضا انما يكون مترتبا على الافراد الخارجية ابتداء ، من دون ان يكون هناك بين الافراد جامع اقتضى ترتب الحكم عليها بذلك الجامع ، كما في القضية الحقيقية. ولو فرض ان هناك جامعا بين الافراد الخارجية فإنما هو جامع اتفاقي ، كما في قولك : كل من في العسكر قتل ، وكل ما في الدار نهب ، فان قولك : كل من في العسكر قتل ، بمنزلة قولك : زيد قتل ، عمرو قتل ، وبكر قتل ، وليس بين قتل زيد وعمرو وبكر جامع عنواني اقتضى ذلك الجامع قتل هؤلاء ، بل اتفق ان كلا من زيد وعمرو وبكر كان في المعركة ، واتفق انهم قتلوا ، وأين هذا من القضية الحقيقية التي يكون فيها جامع بين الافراد؟ بحيث متى تحقق ذلك الجامع ترتب الحكم ، سواء في ذلك الافراد الموجودة والتي توجد بعد ذلك. ولأجل ذلك تقع القضية الحقيقية كبرى لقياس الاستنتاج ، وتكون النتيجة ثبوتا واثباتا موقوفة على تلك الكبرى ، بحيث يتوصل بتلك الكبرى بعد ضم الصغرى إليها إلى امر مجهول يسمى بالنتيجة ، كما يقال : هذا خمر وكل خمر يحرم ، فان حرمة هذا الخمر انما يكون ثبوتا موقوفا على حرمة كل خمر ، كما أن العلم بحرمة هذا الخمر يكون موقوفا على العلم بحرمة كل خمر ، فالعلم بالنتيجة يتوقف على العلم بكلية الكبرى ، اما العلم بكلية الكبرى فلا يتوقف