استنسخ في المدة لنفسه من كتب الشيباني ما استحسن وقد أذعن الشافعي نفسه بذلك ، وأعلن فقال من غير نكير « كتبت من كتب الشيباني حمل بعير ».
وكيف كان فان لم يحصل اليقين بتقدم القاضي والشيباني على الشافعي في التأليف ، فلا أقل من أن لا يحصل لنا يقين بتقدمه عليهما. فالحكم البات بكون الشافعي « أول من صنف في أصول الفقه » كما ترى.
ـ ٧ ـ
هذا بالنسبة إلى حدوث العلم والاستناد به على نحو الاطلاق ، اما بدء الاستناد به في خصوص مذهب التشيع فهو كما احتملناه وعللناه في التعليقة المزبورة لا يتقدم على الغيبة الكبرى ( ٣٢٩ ه. ق ).
أول من انتحى إلى أصول الفقه واعتمد عليه في مقام الاستنباط واستمد منه الشيخ الثقة الجليل حسن بن علي بن أبي عقيل (١) صاحب كتاب « المتمسك بحبل آل الرسول » في الفقه ، وهو أيضا « أول من هذب الفقه ، واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ».
ثم اقتفى اثر ابن أبي عقيل واستحسن آرائه أبو على محمد بن أحمد بن جنيد الإسكافي الذي قال السيد الاجل بحر العلوم بعد عنوانه في ترجمته : « من أعيان الطائفة وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الامامية. وأكثرهم علما وفقها وأدبا ، وأكثرهم تصنيفا وأحسنهم تحريرا ، وأدقهم نظرا متكلم فقيه محدث أديب واسع العلم. صنف في الفقه والكلام والأصول والأدب وغيرها تبلغ مصنفاته ، عدا أجوبة مسائله ، من نحو خمسين كتابا منها كتاب « تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة » كتاب كبير من نحو عشرين مجلدا يشتمل على جميع كتب الفقه ، وعدة كتبه تزيد على مائة وثلاثين كتابا ، وكتاب « المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي » مختصر كتاب التهذيب وهو الذي وصل إلى المتأخرين ومنه انتشرت مذاهبه وأقواله .. »
__________________
١ ـ كان ابن أبي عقيل من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، أحد شيوخ العالم السديد المعروف بابن المعلم والملقب بالشيخ المفيد.