والغرض من طول البحث في المقام بيان قوة كلام المحقق وان كان الأحوط خلافه ، ان لم يكن أقوى ، فيكتفي بكرية مجموع ما في الحياض والمادة بالنسبة إلى دفع النجاسة ويشترط كرية المادة في رفع النجاسة عن الحياض. وأحوط من ذلك اشتراط كرية المادة بالنسبة إليهما معا ، وان كان القول به ضعيفا بالنسبة الى ما تقدم فتأمل جيدا والله أعلم بحقيقة الحال.
ولو مازجه اي الجاري وما في حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشيء لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا للأصل بل الأصول والإجماع المحصل والمنقول. وربما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآجن إذا وجد غيره ، ولعدم انفكاك السقاء أول استعماله من التغير ولم ينقل عن الصحابة الاحتراز منه ، وقد قيل أيضا ان الصحابة كانوا يسافرون وغالب أوعيتهم الأديم وهو يغير الماء ، فلا ينبغي الالتفات الى ما في النبوي (١) ونحوه مما دل على حصول النجاسة بكل شيء ، يغيره. قال في المنتهى : « متى كان التغير بملاقاة جسم طاهر ولم يسلبه إطلاق الاسم فهو باق على طهارته ويصلح التطهير به إجماعا ، ان لم يمكن التحرز منه كالطحلب وما ينبت في الماء وما يتساقط من ورق الشجر النابت فيه » الى أن قال : « أما لو امتزج بما يمكن التحرز منه كقليل الزعفران فإنه باق على أصله في الطهورية إجماعا منا » ثم نقل خلاف الشافعي ومالك في ذلك ثم قال فيه أيضا : « لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه إطلاق الاسم لم يجز الطهور به ولا يخرج عن كونه طاهرا ، وإلا فلا بأس ولكنه مكروه ، ولا خلاف بين عامة أهل العلم في جواز الطهارة به الا ابن سيرين » وقد يرشد إلى الطهارة فيما نحن فيه ما نقل من الإجماع على عدم حصول النجاسة بالتغير بالمجاورة لها من ريح أو غيره ، ولا ريب ان ما نحن فيه أولى وكان المسألة غير محتاجة إلى طول البحث.
__________________
(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١٠.