إما أن يشتبه بإناء معلوم النجاسة سابقا ، أو يشتبه بالنجس من جهة عدم العلم بوقوع النجاسة في أيهما ، ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين ما يكون معلوم النجاسة واشتبه ، أو وقع الاشتباه من غير سبق علم بالنجاسة ، وعلى كل تقدير فالاجتناب فيهما على القاعدة ، أما الأول فتقرير القاعدة فيه على وجهين ، وإن كان مآلهما إلى واحد.
( الأول ) أن يقال : ان التكليف باجتناب الإناء النجس قد تحقق قطعا ، لكون الفرض معلوميته سابقا ، فاستصحاب بقاء التكليف حينئذ به قاض بوجوده الآن ، ولا طريق لامتثاله إلا باجتنابهما معا ، فهو حينئذ من قبيل قول الشارع لا تضرب أحد الشخصين وكان معينا عنده غير معين عند السامع.
( الثاني ) أن يقال أن الشارع كلفنا باجتناب النجس ، والفرض أن أحدهما نجس ، فنحن مكلفون باجتنابه الآن ، ففي الحقيقة صار التكليف باجتناب فرد واحد منهما معين غير معلوم عندنا ، فيجب حينئذ اجتنابهما لأنه لا طريق لامتثال هذا الخطاب إلا اجتنابهما ، لا يقال : ان أصل البراءة يعارض ما ذكرت ، لأنا نقول إن أريد به التمسك بالبراءة عنهما جميعا بتقريب رده إلى شبهة الحكم فيقال ان هذا موضوع جديد لا نعرف حكمه عند الشارع ، ففيه أنه يرجع الى دعوى أن الاشتباه العارضي للشخص مسقط للتكليف الناشئ عن صفة لاحقة للعين لم يعلم اضمحلالها بالاشتباه ، وهو موقوف على دليل غير أصل البراءة ، لانقطاعه بما دل على بقاء التكليف الأول من الاستصحاب وغيره ، وما يقال : من أنا نمنع حرمته ونجاسته ما لم نعلم حرمته ونجاسته ، إذ اتصاف الأعيان بالحل والحرمة والطهارة والنجاسة إنما يرجع الى ملاحظة فعل المكلف ، وإن كانت الحكمة الباعثة للحكم كامنة في تلك الأعيان فالأعيان وان اتصفت بذاتها من جهة تلك الحكمة بالحرام والنجس مثلا من دون تقييد بالعلم والجهل ، ولكن اتصافها بهما من جهة ملاحظة إضافة فعل المكلف إليها لا يكون إلا في صورة العلم يدفعه انه على تقدير تسليمه ان أريد بالعلم العلم بالخصوص فدعوى توقف الاتصاف بالحرمة بالنسبة