التكليف باجتناب النجس هنا أي حال الاشتباه ، فهو قاطع للاستصحاب المذكور ، لأن الخطاب بالجمل مع تيسر الامتثال يقبحون أهل العرف معه تناول أحدهما ، ويعدونه في قسم العصاة وإلا فكل مقدمة لواجب هي مباح في نفسها أو مندوبة أو مكروهة أو غير ذلك ، فلو فرضنا أن المقدمة يعارضها استصحاب أو الإباحة نفسها لم تبق مقدمة لواجب نقول بوجوبها.
ومن هنا تعرف أن القسم الثاني وهو الذي تقع في أحدهما النجاسة ولم يعلم في أيهما وان قلنا بجريان الاستصحاب فيه لكن باب المقدمة فيه فيقطعه ، لكونها من قسم الخطابات ، نعم لا يتم ذلك إلا على القول بعدم الوجوب ، فلا مقدمة حينئذ لكن قد عرفت ما فيه وما في الاستدلال عليه بأصالة البراءة ونحوها ، ومن المعلوم عدم جريان ما ذكرنا من الاستصحاب فيما لو كان أحد الإنائين بولا والآخر ماء.
( فان قلت ) نحن لا نتمسك في شيء من ذلك بالاستصحاب ولا بأصل البراءة ، بل نتمسك فيما يرجع الى الطهارة والنجاسة بقوله عليهالسلام (١) : « كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر » وقوله عليهالسلام (٢) : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنه نجس » وفيما يرجع الى الحل والحرمة بقوله عليهالسلام (٣) : « كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » ( قلت ) : هو ـ مع كونه ليس جاريا في سائر الأشياء مثل الأنكحة ونحوها مما لا تجري فيه هذه العمومات ، ومناف لما قد عرفت أن لفظ الحرام والنجس يراد بهما الواقع ، لعدم دخول العلم في مفهوم اللفظ ، ولترتب الفساد ونحوه عليه ـ فيه انا نمنع شمولها لمثل المقام ، وذلك لظهور قوله
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ حديث ٤.
(٢) روى صاحب الوسائل « كل ماء طاهر الا ما علمت أنه قذر » في الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ـ ٢ ـ ولم نجد « كل ماء طاهر حتى تعلم أنه نجس ».
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١ ـ من كتاب التجارة.