الحكم لا سيما إذا كان من جهة أصل البراءة ونحوه يكاد يكون من الخرافات ، والله أعلم. وهناك أمور أخر وقرائن تقضي بما ذكرنا لا يتحملها المقام.
بقي هنا فوائد ( منها ) أنه ينبغي أن يعلم أنه لا إشكال في وجوب المقدمة حيث تكون مباحة أو مكروهة أو مندوبة ، وأما حيث تكون محرمة وواجبة أي يتعارض فيه مقدمة الواجب ومقدمة الحرام كما في مقامنا ونحوه من الشبه المحصورة مع عدم وجود غيرها فإنه من حيث النهي عن الوضوء بالماء النجس يجب اجتناب الفردين ، ومن حيث وجوب الوضوء بالماء الطاهر يجب الوضوء بهما معا ، ومثل ذلك الماء المشتبه بالمضاف والثوب المشتبه بالنجس ، فالظاهر أن المحرم إن كانت حرمته من جهة التشريع كما إذا حكم بها من عدم الأمر بها ، أو من جهة نهي علم فيه إرادة التشريع ، أو نحو ذلك فالذي يقتضيه النظر الحكم بالوجوب ، لارتفاع الحرمة حينئذ بسبب ارتفاع منشأها إذ تصور التشريع فيما جيء به لاحتمال تحقق إرادة السيد غير معقول ، وكيف مع ان أكثر مقامات الاحتياط الذي أمر به في السنة وشهد العقل بحسنه من هذا القبيل ، وأما إذا كانت الحرمة ذاتية فالمتجه فيه عكس الأول فتقدم مراعاة الحرمة على الوجوب كما في نظائره مما تعارض فيه الواجب والمحرم ، ويشهد له التتبع للأخبار وكلام الأصحاب ، بل قد ينتهي به ذلك الى القطع بما قلنا ، لكن الظاهر أن ذلك من حيث الحرمة والوجوب ، وإلا فقد يعرض للواجب من الجهات ما يوجب مراعاته ، ولعل ما ذكره الأصحاب من حرمة استعمال الإنائين الطاهر أحدهما ، ووجوب الوضوء بالانائين المضاف أحدهما لكون الأول حرمته ذاتية ، والآخر تشريعية ، ومثله وجوب الصلاة بالثوبين ، لكون الحرمة فيه تشريعية نعم ربما يقع كلام بينهم في بعض الأشياء ، وكأنه ينحل الى النزاع في أن حرمته تشريعية أو ذاتية. فمن استظهر الأول قدم مراعاة الواجب ، ومن استظهر الثاني قدم مراعاة المحرم ، وقد سلف لك أن الأصل في كل منهي عنه أن يكون محرما ذاتيا ، لا تشريعيا حتى يعلم ، وربما تدخل مسألة الوضوء في ذلك ، لوجود النهي