في التهذيب بقرينة ما عن الاستبصار القول بالمنع من الوضوء ، والشرب من سؤر غير مأكول اللحم غير السنور والطير ، إلا أنه أبدل السنور في الاستبصار بالفأرة مع التعليل لها بمشقة التحرز عنها ، فقد يستفاد منه حينئذ التعميم لكل ما يشق التحرز عنه ، وعن المبسوط والمهذب المنع من سؤر مالا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي والطيور ، إلا ما لا يمكن التحرز عنه كالهر والفأرة.
قلت : يحتمل أن يراد بالمنع من السؤر الحكم بالنجاسة ، فيكون مثل ما نقلناه عنه في السرائر ، كما أنه يحتمل العكس ، بل هو أقوى ، لكون الحكم بنجاسة السؤر مع طهارة ذي السؤر كما هو الفرض من غير دليل يقتضيه ـ مع منافاته للقواعد المسلمة التي لا شك فيها ـ لا معنى له ، وما تسمعه من الدليل لا دلالة فيه على ذلك ، كاحتمال جعله كوقوع الجنب في البئر ، فإنه مع ما فيه قياس لا نقول به ، ولعل الخلاف منحصر في المبسوط والمهذب والسرائر ، لكون عبارة التهذيب غير صريحة فيما نقلناه عنه ، بل ولا ظاهرة ، وكيف وهو يورد فيه من الأخبار ما يقضي بطهارة السباع وغيرها ، مع عدم ذكر لتأويل شيء منها ، وأما الإستبصار فهو لمجرد جمع بين الأخبار.
ولا يخفى عليك ما في دعوى الثلاثة من الاجمال ، بل لم نعثر لهم على ما يقضي بتخصيص ما سمعت من الأصل بل الأصول والعموم وغير ذلك ، سوى قول الصادق عليهالسلام (١) في الموثق بعد أن سئل عما تشرب منه الحمامة ، فقال : « كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب » وفيه ـ مع ان جماعة من الفطحية في سنده ، وكون دلالته بالمفهوم ، بل على عموم المفهوم ، وقد منعه العلامة هنا في المختلف ، واكتفى في صدق المفهوم بسلب الحكم المنطوقي عن بعض أفراد المفهوم ، وهو يتحقق هنا في الكلب والخنزير وان كان منعه لا يخلو من منع للعرف ، لكنه لا يخلو من وجه ، ومع أن الخارج أضعاف الداخل بمراتب كثيرة على تقدير أخذه مستندا لما في السرائر
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأسئار ـ حديث ٢.