من الأوامر المطلقة ، بل وفي غسل الأخباث من غسل الأواني وتطهير الثياب والبدن ونحو ذلك. لا يخفى على من لاحظها ان المراد منها بيان كون الجنابة سببا للخطاب بالغسل عند حصول ما يتوقف عليه ، لا إرادة الوجوب الفعلي النفسي ، ولذلك استدلوا بها على ثبوت الغسل لمن لم يكن مخاطبا بالغسل حين الفعل كالصبي والمجنون وغيرهما. بل لعل المتبادر من نحو هذه بعد ثبوت الوجوب الغيري المسلم عند الخصم أيضا وان قال بالوجوب النفسي كون المراد منها الوجوب الشرطي سيما بعد ملاحظة ذلك في نظائرها. بل يظهر من المنقول عن العزية ان ذلك حقيقة عرفية في مثل ذلك وقال : إن إخراج غسل الجنابة من بينها تحكم بارد. ويشعر به أيضا مضافا الى ما تقدم عد الجنابة في سلك غيرها مما هو واجب لغيره ، بل ربما جاء بأمر واحد بالغسل للجنابة ولغيرها. فظهر لك أنه لا حاجة حينئذ إلى ارتكاب دعوى وجوب الطهارات بأسرها لغيرها ، وان لم يتحقق وجوب غيرها. فيجب الوضوء مثلا بمجرد تحقق خروج البول وان كان في غير وقت الصلاة أخذا بظاهر تلك الأوامر ، لما عرفت من انصرافها إلى إرادة مطلق التسبيب منها الذي لا ينافي الوجوب الشرطي ، على ان ذلك كأنه مخالف للإجماع بحسب الظاهر على عدم وجوب الطهارة غيريا إلا بعد وجوب ذي المقدمة ، فتأمل.
وان كان لمكان وجوب تقديم غسل الجنابة على الصوم إذ لو كان واجبا لغير ما وجب تقديمه كما استدل به في المنتهى ، فهو مع إمكان إيراد مثله عليه بالنسبة إلى غسل الحيض بناء على ما عرفت سابقا من وجوب تقديمه على الصوم أيضا ، مع عدم الخلاف على الظاهر في وجوبه للغير ، قد عرفت أنه مبني على عدم تعقل وجوب مقدمة الواجب قبل وقت وجوب ذي المقدمة ، وتقدم لك سابقا بيان فساد ذلك ، وأنه لا مانع منه عقلا وعرفا وشرعا ، كما انه تبين لك أيضا انه لا يمكن التخلص عن ذلك بارتكاب القول بالوجوب النفسي ، إذ هو مع ذلك لا ينكر الوجوب الغيري والاشكال من جهته