بل غسل الميِّت هو بنفسه غسل الجنابة لا أنّه شيء آخر ، لما ورد من أنّ الميِّت تخرج عنه النطفة الّتي خلق منها حين موته ، وبه يكون الميِّت جنباً ، وغسله هو غسل الجنابة بعينه (١) ، وغسل الجنابة على قسمين : ترتيبي وارتماسي ، ومن ثمة قوى شيخنا الأنصاري قدسسره جواز التغسيل بالارتماس (٢).
والصحيح هو ما ذهب إليه المشهور ، لأن كيفيّة غسل الجنابة هو الاغتسال ترتيباً على الكيفيّة المتقدمة في محلِّها ، حيث أمر في الأخبار بغسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الجانب الأيسر أو من غير ترتيب بين الجانبين على الخلاف. وأمّا الغسل الارتماسي فهو مسقط للترتيب ومجزئ عنه ، لا أنّه المأمور به أو فرد منه في غسل الجنابة ، ومن ثمة ورد : « أنّ الجنب إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (٣). فإنّ الأجزاء يحتاج إلى شيء يجزئ عنه وهو الغسل الترتيبي ، فوزانه وزان الجماعة المسقطة للقراءة الواجبة في الصلاة ، ومقتضى التشبيه والتنزيل أن غسل الميِّت كغسل الجنابة يجب أن يكون ترتيبياً ، وأمّا أن ما يجزئ عنه في غسل الجنابة يجزئ عنه في غسل الميِّت أيضاً ، فهو محتاج إلى الدليل ، فإنّ الأخبار الواردة في غسل الميِّت كلّها تدل على الترتيب كما مرّ ، ولم يرد في شيء منها ما يدل على كفاية الارتماس من المتمكّن منه ، لوجود كر من الماء عندهم أو لكونهم قرب الغدران والنقيع أو في شطوط البحار والأنهار ، ولا سيما بلحاظ قوله عليهالسلام « لو أن رجلاً جنباً ارتمس ... أجزأه ذلك » (٤) فإنّه أثبت الإجزاء على الارتماس الاختياري الصادر عن نفس الجنب وثبوت ذلك في ارتماس الغير للميت أي الارتماس غير الاختياري يتوقّف على دلالة الدليل وهو مفقود ، والتشبيه إنّما هو في كيفيّة التغسيل لا من جميع الجهات وإلاّ فقد اعتبر في غسل الميِّت الخليط والتعدّد وغيرهما ممّا لا يعتبر في الجنابة قطعاً.
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) كتاب الطّهارة : ٢٩٠ السطر ٢٢ / في غسل الأموات.
(٣) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٥.
(٤) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.