ومنها : أن الميِّت أحق بالقبر بدفنه فيه فالدّفن الثاني تصرف فيما هو حق الغير وهو غير جائز.
وفيه : أنه لم يقم دليل على أن القبر حق للميت ، وإنما الثابت جواز دفنه فيه وكونه قبراً له ، وأما أنه حقه بحيث يمنع عن جواز دفن الغير عنده فهو محتاج إلى الدليل.
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة ، قال « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : من جدّد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن ( من ) الإسلام » (١) ، لدلالتها على أن جعل القبر قبراً الذي هو معنى « جدد » محرم وخروج من الإسلام.
وفيه : أن الرواية غير قابلة للاستدلال بها سنداً ودلالة :
أمّا سنداً فلأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى وإن كان صحيحاً كما مرّ (٢) إلاّ أن محمد بن سنان ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه. على أن السند يحتوي على أبي الجارود وهو زياد بن المنذر رئيس الفرقة الجارودية الذي عبّر عنه الباقر عليهالسلام بسرحوب ، وسرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر ، وأبو الجارود كان أعمى أيضاً ، وقد ذكر الكشي أنه كان مكفوفاً أعمى ، أعمى القلب (٣) ، وقد ورد أنه كذّاب ملعون ، فلا يمكن الاعتماد على روايته (٤).
وأمّا من حيث الدلالة فلأنه لم يثبت أن لفظ الرواية هل هو « جدد » أو « حدد » بمعنى جعل القبر كقبور العامّة محدّداً ، أي مع التسنيم كما ورد في رواية سعد بن عبد الله (٥). وعن المفيد قدسسره (٦) أنه « خدد » أي نبش ، أو أنه « حدث » أي جعل القبر قبراً ، ومع عدم ثبوت أن لفظة الرواية أي شيء هي لا يمكن الاستدلال بها بوجه.
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٢٠٨ / أبواب الدّفن ب ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ / ١٤٩٧.
(٢) في ص ٢٨٢ ٢٨٣.
(٣) رجال الكشي : ٢٢٩ / ٤١٣.
(٤) وقد عدل عن ذلك ( دام فضله ) وبنى على وثاقة الرجل فليراجع المعجم ٨ : ٣٣٥.
(٥) الوسائل ٣ : ٢٠٨ / أبواب الدّفن ب ٤٣ ح ١.
(٦) كما حكاه الشيخ في التهذيب ١ : ٤٥٩ ذيل ح ١٤٩٧.