إلى مكان يناسبه ، وإلاّ فهو كرامة للميت واحترام له لدى العرف ، فيختلف ذلك باختلاف ما يقصد من النقل عرفاً ، فاذا كان المقصود به هو الدّفن في الأمكنة الشريفة له فلا يعد عرفاً هتكاً بل هو نوع احترام وتجليل له ، ولا سيما إذا لم تظهر رائحته إلى الخارج ، فانّ الميِّت ينتن لا محالة إما تحت الأرض أو فوقها.
الثاني : أن الحكمة في الأمر بدفن الميِّت إنما هي عدم انتشار رائحته خارج القبر فالنقل المستلزم لانتشار رائحته منافٍ للحكمة الداعية إلى الأمر به وهو أمر غير جائز.
والجواب عنه : أن الحكمة في الأمر بالدّفن وإن كانت تلك إلاّ أن الكلام في تلك الحكمة هل هي علة تامة لوجوب الدّفن أو أنها حكمة من الحكم النوعية التي تدعو إلى جعل الوجوب؟
ولا ينبغي توهم كونها العلة التامة لوجوب الدّفن ، وإلاّ لزم الالتزام بعدم وجوب الدّفن فيما إذا أمكن إبقاء الميِّت في الخارج على نحو لا يطرأ عليه النتن والفساد كما في زماننا هذا ، بل في الأزمنة المتقدِّمة أيضاً حيث كانوا يحفظون الميِّت بالدواء من غير أن يفسد أو ينتن ، وكذا فيما إذا كانت الأرض على وجه لا تمنع عن انتشار رائحة الميِّت بدفنه ، مع أنّ الدّفن واجب في كلتا الصورتين من غير نكير.
وهذا يدلنا على أن عدم انتشار الرائحة حكمة نوعية داعية إلى جعل وجوب الدّفن ، وبما أنه مطلق حيث لم يقيد بما إذا انتشرت رائحة الميِّت وتغير أم لم تنتشر ولم يتغير فلا بدّ من الالتزام بوجوب الدّفن في كلتا الصورتين.
الثالث : أن تأخير الدّفن عن الغسل والصلاة والتجهيز إذا كان مستلزماً لطروء الفساد على الميِّت أمر غير جائز ، فإنه لا بدّ حينئذ من تقديم الدّفن من غير غسل ثم يصلّى على قبره ، فاذا لم يجز التأخير المستلزم لطروء الفساد بالإضافة إلى الواجب كالغسل والصلاة فلا يجوز تأخيره بالإضافة إلى الأمر المستحب وهو النقل إلى المشاهد المشرفة بطريق أولى.