أمثال المقام ليس من موارد اجتماع الأمر والنهي ، فإنّ الحرمة إذا كانت ناشئة من الموضوع كما في المقام وفي الوضوء بماء مغصوب فهو من النهي عن العبادة أو الواجب ، وهذا بخلاف ما إذا كان مكان الوضوء غصبياً فإنّه من موارد الاجتماع. وعليه لا يجوز التكفين بالمغصوب سواء قلنا بجواز الاجتماع أم لم نقل ، بل لو كفن به وجب نزعه وردّه إلى مالكه.
بل لو علم ذلك بعد الدفن وجب نبشه إن أمكن ، فإنّ التكفين به كلا تكفين فلا مناص من تكفينه ثانياً بعد نزع المغصوب منه امتثالاً للأمر بالتكفين.
وقد يتوهّم كما توهّم أنّ التكفين واجب توصلي ولا يعتبر في سقوطه قصد التقرّب ، إذن لا مانع من الحكم بسقوط الأمر به بالتكفين بالمغصوب وإن كان ذلك عصياناً ومحرماً على المكلّف لوجوب ردّه إلى مالكه.
ويندفع بأنّ الواجب التوصّلي إنّما يفترق عن التعبّدي بعدم اعتبار قصد القربة والإضافة إلى الله تعالى في الإتيان به ، ومن ثمة يتحقق الامتثال في التوصليات بمجرّد الإتيان بها. وهذا بخلاف الواجب التعبّدي إذ يعتبر فيه قصد التقرّب والإضافة إلى الله سبحانه إمّا شرعاً كما على مسلكنا (١) وإمّا عقلاً كما ذكره صاحب الكفاية (٢) فلو أتى به من دون ذلك لم يسقط أمره ولم يكن امتثالاً له ، ولا فرق بينهما زائداً على ذلك. وإذا كان العمل محرماً في نفسه كما في المقام لا يعقل أن يحصل به الامتثال بلا فرق في ذلك بين التوصّلي والتعبّدي ، وذلك لعدم إمكان أن يكون المحرم مصداقاً للواجب ، وليس معنى التوصّلي أنّ الحرام يمكن أن يكون مصداقاً للواجب.
نعم ، في المقدّمات الخارجيّة عن الواجب أي المقدمات الّتي نعلم بعدم مدخليتها في الواجب لو أتى بها في ضمن أمر حرام لم يضر ذلك بالامتثال كما إذا ركب دابة مغصوبة ومشى بها إلى الحج فإنّه لا يمنع عن صحّة حجّه ، وذلك لخروج المقدّمة عن
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ١٧٢.
(٢) كفاية الأُصول : ٧٢.