عن ذاك الباب وداخل في باب التعارض كما أشرنا إليه مراراً.
بل لأنّ دليل اعتبار الاستقبال يختلف لسانه عن دليل اعتبار القيام ، فإنّ الأوّل بلسان نفي الحقيقة ، وأنّ الفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شيء كما يفصح عنه قوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » (١) ، بخلاف الثاني فإنّ لسانه مجرد اعتبار شيء في الصلاة (٢) لقوله : « الصحيح يصلي قائماً وقعوداً المريض يصلي جالساً » الوارد في تفسير الآية المباركة (٣) ، وغيره ممّا سبق في محله ومن المعلوم أنّه كلّ ما دار الأمر بين ترك شيء تفوت معه حقيقة الصلاة وبين غيره قدّم الثاني.
ومنه يظهر الجواب عمّا تقدّم من القول بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن ، فانّ القيام إنّما يجب رعايته في الصلاة ، فلا بدّ من تحقق الموضوع وهو الصلاة قبل ذلك ، وقد عرفت أنّ مقتضى دليل اعتبار الاستقبال نفي الحقيقة وعدم تحقق الموضوع بدونه ، فالفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شيء حتى يراعى فيه القيام.
وأمّا التفصيل المتقدم فيدفعه : أنّ كون ما بين المشرق والمغرب قبلة تنزيل مختص بمورده ، وهو الجاهل الذي لا يميّز جهة الكعبة ، وأمّا غيره ممّن يميّزها ويشخّصها كما هو محل الكلام ، فلا ريب أنّ قبلته هي الكعبة ، فلا مناص له من استقبالها ، والتوسعة المزبورة غير شاملة لمثله جزماً. فظهر أنّ الأقوى مراعاة الاستقبال والانتقال إلى الصلاة جالساً كما ذكر في المتن.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣٠٠ / أبواب القبلة ب ٢ ح ٩.
(٢) أمّا قوله : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » فهو ناظر إلى الانتصاب الممكن رعايته في الصلاة جالساً أيضاً كما سبق ، لا إلى القيام فلا تغفل.
(٣) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.