ومع ذلك فالأقوى ما عليه المشهور ، للسيرة القائمة من الأئمة : وأصحابهم ، بل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا المتشرعة متصلة بهم على مراعاة الإخفات في الأخيرتين ، بحيث لم ينقل الجهر عن أحدهم ، وهذه السيرة بمجرّدها وإن لم تدل على الوجوب ، لإمكان قيامها على أمر راجح كالقنوت الذي تلتزم به الخاصة مع استحبابه ، بل غايتها عدم وجوب الجهر وأنّ الإخفات مشروع إباحة أو ندباً ، لكنها تحقق صغرى لكبرى تضمنتها صحيحة زرارة من عدم جواز الإجهار متعمداً في كل ما لا ينبغي الإجهار فيه قال : عليهالسلام « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة » (١) فبضم الصغرى الثابتة بالسيرة وهي إنّ الإجهار في الأخيرتين ممّا لا ينبغي إلى الكبرى المستفادة من الصحيحة وهي البطلان في صورة العمد ينتج المطلوب.
فانّ المراد بكلمة « ينبغي » في هذه الصحيحة ليس هو الوجوب ولا الاستحباب قطعاً لوضوح الحكم على التقديرين ، وهو أنّ الإخلال بالجهر مع وجوبه يقتضي البطلان ، ومع استحبابه لا يقتضي ، فلا حاجة إلى السؤال ، بل المراد به في المقام ما هو اللائق بحال الصلاة والمناسب لها بحسب التداول والتعارف الخارجي ، وحيث إنّ الوظيفة المقررة في الأخيرتين من التسبيح أو القراءة ممّا يليق بها الإخفات كما كشفت عنه السيرة والتداول الخارجي على ما عرفت ، فكان هو ممّا ينبغي ، والإجهار فيها مما لا ينبغي فتشملها الصحيحة حينئذ من أنّ الإجهار في مثله موجب للإعادة.
نعم ، في الصحيحة الأُخرى لزرارة تخصيص الحكم بالقراءة فلا تعم التسبيح
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.