وأمّا على القول الرابع ، فقد يتوهم أنّ الروايات على هذا القول تدل على تلك القاعدة ، ولكنّه من المعلوم أنّه توهم خاطئ جداً ، وذلك لأنّ مجرد مطابقة الروايات للقاعدة لاتكشف عن ثبوت القاعدة وابتناء وجوب الاستظهار عليها ، فلعله بملاك آخر مثل قاعدة الامكان ونحوها. على أنّ هذا القول ضعيف في نفسه فكيف يمكن أن يستشهد به على ثبوت قاعدة كلية.
أضف إلى ذلك : أنّ الاستشهاد يتوقف على القول بحرمة العبادة على الحائض والنفساء ذاتاً ، إذ لو كانت الحرمة تشريعية لم يكن الأمر في أيام الاستظهار مردداً بين الحرمة والوجوب ، فايجاب الاستظهار في تلك الأيام يكون أجنبياً عن القاعدة المزبورة بالكلية.
وأمّا المورد الثاني : وهو عدم جواز الوضوء بماءين مشتبهين فقد ظهر حاله مما تقدم ، فانّ عدم جواز الوضوء بهما ليس من ناحية ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، بل هو من ناحية النص الخاص (١) الذي ورد فيه الأمر باهراقهما والتيمم ، وإلاّ فمقتضى القاعدة هو الاحتياط بتكرار الصلاة ، إذ بذلك يحرز المكلف أنّ إحدى صلاتيه وقعت مع الطهارة المائية ، ومن المعلوم أنّه مع التمكن من ذلك لا تصل النوبة إلى التيمم على تفصيل ذكرناه في بحث الفقه (٢).
أضف إلى ذلك : أنّ حرمة التوضؤ منهما ليست حرمة ذاتية بالضرورة ، بل هي حرمة تشريعية وهي خارجة عن موضوع القاعدة ، ضرورة أنّ موضوعها هو دوران الأمر بين الحرمة الذاتية والوجوب ، وأمّا الحرمة التشريعية فهي
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٣٤٥ / أبواب التيمم ب ٤ ح ١.
(٢) شرح العروة ٢ : ٣٥٦ المسألة ٧ [١٥٥].