إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أنّ هذه الوجوه التي ذكرت لوجوب الفحص لا يتم شيء منها.
فالصحيح في المقام أن يقال : إنّ ما دلّ على وجوب الفحص عن الحجة في موارد الاصول العملية بعينه هو الدليل على وجوبه في موارد الاصول اللفظية ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً ، فالملاك لوجوبه في كلا البابين واحد ، وذكرنا هناك أنّ ما دلّ على وجوبه أمران :
الأوّل : حكم العقل بذلك حيث إنّه يستقل بأنّ وظيفة المولى ليست إلاّ تشريع الأحكام وإظهارها على المكلفين بالطرق العادية ولا يجب عليه تصدّيه لجميع ما له دخل في الوصول إليهم بحيث يجب على المولى إيصال التكليف إلى العبد ولو بغير الطرق العادية المتعارفة إذا امتنع العبد من الاطلاع على تكاليف مولاه بتلك الطرق ، كما أنّه يستقل بأن وظيفة العبد إنّما هي الفحص عن تكاليف المولى التي جعلها وأظهرها بالطرق العادية لئلاّ يقع في مخالفتها ، ضرورة أنّه لو لم يتصدّ للفحص عنها وتمسك بأصالة البراءة أو استصحاب العدم في كل مورد احتمل التكليف فيه لزم إبطال فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب حيث لا يمكن الوصول إلى تلك التكاليف إلاّبالفحص.
وعلى الجملة : فالعقل كما يستقل بوجوب النظر إلى المعجزة وإلاّ لزم إفحام جميع الأنبياء والأوصياء ، كذلك يستقل بوجوب الفحص في مقام الرجوع إلى البراءة أو الاستصحاب ، فالملاك لاستقلاله في كلا الموردين واحد ، والسر في ذلك ما عرفت من أنّه لايجب على المولى إيصال الأحكام والتكاليف التي جعلها في الشريعة المقدّسة إلى العباد بالطرق غير العادية ، فالواجب عليه بيانها بالطرق المتعارفة العادية بحيث يتمكن المكلف من الوصول إليها بالمراجعة والفحص ،