وأمّا تعدد الحكم بتعدد شرطه جنساً فهو إنّما يستفاد من ظهور كل من القضيتين في أنّ كلاً من الشرطين مستقل في ترتب الجزاء عليه مطلقاً ، فانّ ظاهر قضية : إذا بلت فتوضأ ، هو أنّ وجوب الوضوء مترتب على وجود البول ولو قارنه أو سبقه النوم مثلاً ، وكذلك ظاهر قضية : إذا نمت فتوضأ ، هو ترتب وجوب الوضوء على النوم ولو قارنه أو سبقه البول مثلاً ، فاطلاق كل من القضيتين يستفاد منه استقلال كل من النوم والبول في ترتب وجوب الوضوء عليه على جميع التقادير ، ولازم ذلك هو تعدد وجوب الوضوء عند حصول الشرطين في الخارج ووجودهما فيه.
الثاني : أنّ تعلق الطلب بشيء لا يقتضي إلاّ إيجاد ذلك الشيء خارجاً ونقض عدمه المطلق ، وبما أنّ نقض العدم المطلق يصدق على أوّل وجود من وجودات الطبيعة ، يكون الاتيان به مجزئاً في مقام الامتثال عقلاً. وأمّا توهم أنّ ذلك من جهة تعلق الطلب بصرف الوجود وصدقه على أوّل الوجودات فهو فاسد ، إذ لا موجب لأخذ صرف الوجود في متعلق الطلب بعد عدم كونه مدلولاً عليه بالهيئة ولا بالمادة ، ضرروة أنّ المادة لم توضع إلاّلنفس الماهية المعرّاة عن الوجود والعدم. وأمّا الهيئة فهي لا تدل إلاّعلى طلب إيجادها ونقض عدمها المطلق الصادق قهراً على أوّل الوجودات ، وليس هناك ما يدل على اعتبار صرف الوجود في متعلق الطلب غير صيغة الأمر المفروض عدم دلالتها على ذلك هيئةً ومادةً ، وعليه فالطلب لا يرد على صرف الوجود المأخوذ في المتعلق في مرتبة سابقة على عروض الطلب عليه ، بل الطلب هو بنفسه يقتضي إيجاد متعلقه خارجاً ونقض عدمه المطلق ، فاذا فرض تعلق طلبين بماهية واحدة كان مقتضى كل منهما إيجاد تلك الماهية ، فيكون المطلوب في الحقيقة هو إيجادها ونقض عدمها مرتين ، كما هو الحال بعينه في تعلق إرادتين تكوينيتين