وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )(١) حيث إنّ الظاهر بمقتضى خصوصية المقام هو أنّ كلمة « إلى » غاية لتحديد حدّ الممسوح لا لبيان الترتيب ، ومن هنا ذهب المشهور إلى جواز المسح منكوساً وهو الأقوى ، إذ مضافاً إلى إطلاق الآية فيه رواية خاصة. هذا كلّه فيما إذا كان الحكم في القضية مستفاداً من الهيئة.
وأمّا إذا كان الحكم فيها مستفاداً من مادة الكلام فان لم يكن المتعلق مذكوراً فيه كقولنا : يحرم الخمر إلى أن يضطر المكلف إليه ، فلا شبهة في ظهور الكلام في رجوع القيد إلى الحكم ، وأمّا إذا كان المتعلق مذكوراً فيه كما في مثل قولنا : يجب الصيام إلى الليل ، فلا يكون للقضية ظهور في رجوع الغاية إلى الحكم أو إلى المتعلق ، فلا تكون لها دلالة على المفهوم لو لم تقم قرينة من الداخل أو الخارج عليها.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّ الحكم في القضية إن كان مستفاداً من الهيئة فالظاهر من الغاية هو كونها قيداً للمتعلق لا للموضوع ، والوجه فيه ليس ما ذكره جماعة منهم شيخنا الاستاذ قدسسره (٢) من أنّ مفاد الهيئة معنىً حرفي ، والمعنى الحرفي غير قابل للتقييد ، وذلك لما حققناه في بحث الواجب المشروط (٣) من أنّه لا مانع من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة ، بل الوجه فيه هو أنّ القضية في أمثال الموارد في نفسها ظاهرة في رجوع القيد إلى المتعلق والمعنى الاسمي دون الحكم ومفاد الهيئة ، وإن كان الحكم مستفاداً من مادة الكلام فقد عرفت ظهور القيد في رجوعه إلى الحكم إن لم يكن المتعلق
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) أجود التقريرات ١ : ١٩٣ ـ ١٩٥.
(٣) راجع المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٥٣.