الراقية فيها ، يعني أنّ الحياة في هذه الدنيا على نوعين : أحدهما حياة دنيّة حيوانية كالحياة المملوءة باللعب واللهو ونحوهما. وثانيهما حياة عالية راقية كحياة الأنبياء والأولياء ومن يتلو تلوهما ، حيث إنّ حياتهم بشتى أنواعها وأشكالها عبادة وطاعة لله تعالى.
وبعد ذلك نقول : إنّ المراد من الحياة في الآية الثانية هي الحياة الدانية ، فالدنيا صفة لها ، وهي تنحصر باللعب واللهو ، يعني أنّ الحياة الدنيّة في هذه الدنيا هي اللعب واللهو بمقتضى دلالة كلمة « إنّما » ويؤيد ذلك دلالة الآيتين المتقدمتين على حصر الحياة الدنيّة بهما. هذا مضافاً إلى أنّ في الآية الكريمة ليس كلمة « إنّما » بكسر الهمزة ، بل هي بفتحها (١) ، ودلالتها على الحصر لا تخلو عن إشكال بل منع. فاذن لا وقع للاستشهاد بهذه الآية المباركة على عدم دلالة كلمة « إنّما » على الحصر. ومن هنا يظهر حال الآية الاولى.
فالنتيجة : أنّ دلالة كلمة « إنّما » على الحصر واضحة ، وإنكار الفخر دلالتها عليه مبني على العناد أو التجاهل.
ثمّ إنّه ذكر في مقام تقريب عدم دلالة الآية الثانية على الحصر بأنّ اللعب واللهو قد يحصلان في غيرها أي غير الحياة الدنيا ، ففيه ـ مضافاً إلى منع ذلك ـ أنّ الآية في مقام بيان حصر الحياة الدنيا بهما ، لا في مقام حصرهما بها ، فلا يكون حصولهما في غير الحياة الدنيا يعني الحياة الاخروية مانعاً عن دلالة الآية على الحصر. وإن أراد من ذلك حصولهما في الحياة العالية في هذه الدنيا وعدم انحصارهما بالحياة الدانية فيها ، فيردّه أوّلاً : منع ذلك وأنّ الحياة العالية خالية عنها. وثانياً : أنّه لا يضر بدلالة الآية على الحصر ، فانّ الآية تدل على حصر
__________________
(١) [ لا يخفى أنّ الموجود في سورة الحديد الآية ٢٠ بالفتح ولكن في غيرها بالكسر ].