الكلام فهو بطبيعة الحال لا يخلو من أن يكون المقدّر ممكناً أو موجوداً ، فان كان الأوّل فالكلمة لا تدل على وجوده تعالى ، وإن كان الثاني فهي لا تنفي إمكان إله آخر ، حيث إنّ نفي الوجود أعم من نفي الامكان.
والجواب عنه : هو أنّ إمكان ذاته تعالى مساوق لوجوده ووجوبه ، نظراً إلى أنّ الواجب الوجود لا يعقل اتصافه بالامكان الخاص ، فانّ المتصف به هو ما لا اقتضاء له في ذاته لا للوجود ولا للعدم ، فوجوده في الخارج يحتاج إلى وجود علة له ، فمفهوم واجب الوجود لذاته إذا قيس إلى الخارج فان أمكن انطباقه على موجود خارجي وجب ذلك كما في الباري ( سبحانه وتعالى ) وإن لم ينطبق كان ممتنع الوجود كشريك الباري ، فأمر هذا المفهوم مردد في الخارج بين الوجوب والامتناع ولا ثالث لهما. والحاصل : أنّ إمكان وجود هذا المفهوم في الخارج بالامكان العام مساوق لوجوده ووجوبه فيه ، كما أنّ عدم وجوده فيه مساوق لامتناعه ، وعليه فهذه الكلمة تدل على التوحيد سواء أكان الخبر المقدر ممكناً أو موجوداً.
وقد يستدل على ذلك كما عن بعض : بأنّ الممكن بالامكان العام إذا لم يوجد في الخارج فبطبيعة الحال إمّا أن يستند عدم وجوده إلى عدم المقتضي أو إلى عدم الشرط أو إلى وجود المانع ، وكل ذلك لا يعقل في مفهوم واجب الوجود ، ضرورة أنّ وجوده لا يعقل أن يستند إلى وجود المقتضي مع توفر الشرط وعدم المانع فيه وإلاّ لانقلب الواجب ممكناً ، بل نفس تصوّره يكفي للتصديق بوجوده ، ويسمى هذا البرهان ببرهان الصديقين عند العرفاء ، ومدلوله هو أنّ نفس تصور مفهوم واجب الوجود على واقعه الموضوعي تكفي للتصديق بوجوده في الخارج وإلاّ لم يكن التصور تصور مفهوم واجب الوجود وهذا خلف ، ولعل هذا هو مراد بعض فلاسفة الغرب من أنّ مجرد تصور مفهوم الصانع لهذا العالم وما فوقه يكفي للتصديق بوجوده بلا حاجة إلى إقامة برهان.