أوّل بحث النواهي (١) من أنّ مقدمات الحكمة إذا جرت في مدخول كلمة « لا » سواء أكانت نافية أم ناهية ، فنتيجتها هي العموم الشمولي كقولنا مثلاً : لا أملك شيئاً ، فانّ كلمة شيء وإن استعملت في معناها الموضوع له وهو الطبيعة المهملة الجامعة بين جميع الأشياء ، إلاّ أنّ مقتضى الاطلاق وعدم تقييده بحصة خاصة هو نفي ملكية كل ما يمكن أن ينطبق عليه عنوان الشيء ، لا نفي فردٍ مّا منه ووجود البقية عنده ، فانّ هذا المعنى باطل في نفسه فلا يمكن إرادته منه. وأمّا إذا افترضنا أنّه لا إطلاق له ، يعني أنّ مقدمات الحكمة لم تجر فيه ، فهي لا تدل على العموم والشمول وإنّما تدل على النفي بنحو القضية المهملة التي تكون في حكم القضية الجزئية ، كما أنّه إذا قيد بقيد دلت على نفي ما يمكن أن ينطبق عليه هذا المقيد ، ومن هذا القبيل أيضاً قوله : لا تشرب الخمر ، وقوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام » (٢) وقوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ )(٣) وما شاكلها.
وأمّا النقطة الثانية : فهي خاطئة جداً ، والسبب فيه : أنّ دلالة لفظة « كل » أو ما شاكلها من أداة العموم على إرادة عموم ما يمكن أن ينطبق عليه مدخولها لا تتوقف على إجراء مقدمات الحكمة فيه لاثبات إطلاقه أوّلاً ، وإنّما هي تكون مستندةً إلى الوضع ، بيان ذلك : أنّ لفظة « كل » أو ما شاكلها التي هي موضوعة لافادة العموم تدل بنفسها على إطلاق مدخولها وعدم أخذ خصوصية فيه ، ولا يتوقف ذلك على إجراء المقدمات ، ففي مثل قولنا : أكرم كل رجل تدل
__________________
(١) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٢٩٥.
(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٢٨ / كتاب إحياء الموات ب ١٢ ح ٣.
(٣) البقرة ٢ : ١٩٧.