وأمّا في الصورة الثانية : فيحتمل أن يكون وجه احتياطه بعدم العفو هو أصالة عدم كون هذا الدم أقل من درهم ، نظراً إلى أنّ عنوان المخصص عنوان وجودي فلا مانع من التمسك بأصالة عدمه عند الشك فيه. وكيف كان فلا يمكن استنباط أنّه قدسسره من القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية من هذين الفرعين. ومما يشهد على أنّه ليس من القائلين بذلك ما ذكره قدسسره في كتاب النكاح وإليك نصه :
مسألة ٥٠ : إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع ، وكذا بالنسبة إلى من يجب التستر عنه ومن لا يجب ، وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية ، فان شك في كونه مماثلاً أو لا ، أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا ، فالظاهر وجوب الاجتناب ، لأنّ الظاهر من آية وجوب الغض أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلاً أو من المحارم ، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك (١) فانّ هذا شاهد صدق على أنّه ليس من القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ ما أفاده قدسسره من التمسك بعموم آية وجوب الغض خاطئ جداً ، أمّا أوّلاً : فلا عموم في الآية من هذه الناحية ، يعني لا يمكن استفادة حرمة النظر من الآية الكريمة. وأمّا ثانياً : فعلى تقدير تسليم دلالتها على ذلك فلا تدل على أنّ جواز النظر مشروط بأمرٍ وجودي ، بل مفهومها حرمة النظر إلى المخالف ، فتكون الحرمة مشروطةً بأمر وجودي وهو المخالف ،
__________________
(١) العروة الوثقى ٢ : ٥٨٥ المسألة [٣٦٨٢].