مثله لا محالة يكون قبيحاً عقلاً ومحرّماً شرعاً ، فما لا ينفك عنه القبح ـ هو الظلم ـ حيث إنّه علة تامة له فيستحيل تحقق عنوان الظلم في مورد بدون اتصافه بالقبح ، كما أنّ حسن العدل ذاتي بهذا المعنى ، أي بمعنى العلة التامة فيستحيل انفكاكه عنه.
فالنتيجة : أنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة بما أنّه ذاتي بمعنى الاقتضاء دون العلة التامة فلا مانع من تأخيره عن وقت الحاجة إذا اقتضته المصلحة الملزمة التي تكون أقوى من مفسدة التأخير ، أو كان في تقديم البيان مفسدة أقوى من مفسدة تأخيره ولا يكون عندئذ قبيحاً.
وبكلمة اخرى : أنّ حال تأخير البيان عن وقت الحاجة في محل الكلام كحال تأخيره في أصل الشريعة المقدّسة ، حيث إنّ بيان الأحكام فيها كان على نحو التدريج واحداً بعد واحد لمصلحة التسهيل على الناس ،
نظراً إلى أنّ بيانها دفعة واحدة عرفية يوجب المشقة عليهم وهي طبعاً توجب النفرة والاعراض عن الدين وعدم الرغبة فيه. ومن الطبيعي أنّ هذا مفسدة تقتضي أن يكون بيانها على نحو التدريج ليرغب الناس فيه رغم أنّ متعلقاتها مشتملة على المصالح والمفاسد من الأوّل ، فتأخير البيان وتدريجيته إنّما هو لمصلحة تستدعي ذلك ـ وهي التسهيل على الناس ورغبتهم في الدين ـ ومن الواضح أنّ هذه المصلحة أقوى من مصلحة الواقع التي تفوت عن المكلف.
ومن هنا قد ورد في بعض الروايات (١) أنّ أحكاماً بقيت عند صاحب الأمر ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) وهو عليهالسلام بعد ظهوره يبيّن تلك الأحكام للناس ، ومن المعلوم أنّ هذا التأخير إنّما هو لمصلحة فيه أو لمفسدة في
__________________
(١) بحار الأنوار ٥٢ : ٣٣٨ ، ٣٥٤ ب ٢٧ ح ٨٢ و ١١٤.