الشريعة المقدّسة ، ومن الطبيعي أنّ هذه الحرمة تستمر باستمرار موضوعها خارجاً فلا يعقل انفكاكها عنه ، حيث إنّ نسبة الحكم إلى الموضوع من هذه الناحية نسبة المعلول إلى العلة التامة ، وعليه فاذا انقلب الخمر خلاً فبطبيعة الحال ترتفع تلك الحرمة الفعلية الثابتة له في حال خمريته ، ضرورة أنّه لا يعقل بقاء الحكم مع ارتفاع موضوعه وإلاّ لزم الخلف.
وبعد ذلك نقول : إنّ ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ليس من النسخ في شيء ولا كلام في إمكانه ووقوعه في الخارج ، وإنّما الكلام في إمكان ارتفاع الحكم عن موضوعه المفروض وجوده في عالم التشريع والجعل.
المعروف والمشهور بين المسلمين هو إمكان النسخ بالمعنى المتنازع فيه ( رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والجعل ).
وخالف في ذلك اليهود والنصارى فادعوا استحالة النسخ واستندوا في ذلك إلى شبهةٍ لا واقع موضوعي لها ، وحاصلها : هو أنّ النسخ يستلزم أحد محذورين لايمكن الالتزام بشيء منهما ، إمّا عدم حكمة الناسخ أو جهله وكلاهما مستحيل في حقّه تعالى ، والسبب فيه : أنّ تشريع الأحكام وجعلها منه ( سبحانه وتعالى ) لا محالة يكون على طبق الحكم والمصالح التي هي تقتضيه ، بداهة أنّ جعل الحكم جزافاً وبدون مصلحة ينافي حكمة الباري تعالى فلا يمكن صدوره منه.
وعلى هذا الضوء فرفع الحكم الثابت في الشريعة المقدّسة لموضوعه لا يخلو من أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من جهة المصلحة وعلم الناسخ بها ، أو يكون من جهة البداء وكشف الخلاف كما يقع ذلك غالباً في الأحكام والقوانين العرفية ولا ثالث لهما ، والأوّل ينافي حكمة الحكيم المطلق فانّ مقتضى حكمته استحالة صدور الفعل منه جزافاً. ومن المعلوم أنّ رفع الحكم مع بقاء