العقلاء على حمل كلام المتكلم على كونه في مقام البيان إذا شك في ذلك ، ومن هنا قالوا إنّ الأصل في كل كلام صادر عن متكلم هو كونه في مقام البيان ، فعدم كونه في هذا المقام يحتاج إلى دليل.
ولكنّ الظاهر أنّه غير تام مطلقاً ، وذلك لأنّ الشك تارةً من جهة أنّ المتكلم كان في مقام اصل التشريع أو كان في مقام بيان تمام مراده ، كما إذا شك في أنّ قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) في مقام بيان أصل التشريع فحسب كما هو الحال في قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) أو في مقام بيان تمام المراد ، ففي مثل ذلك لا مانع من التمسك بالاطلاق لقيام السيرة من العقلاء على ذلك الممضاة شرعاً. واخرى يكون الشك من جهة سعة الارادة وضيقها ، يعني أنّا نعلم بأنّ لكلامه إطلاقاً من جهة ولكن نشك في إطلاقه من جهة اخرى ، كما في قوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ )(٢) حيث نعلم باطلاقه من جهة أنّ حلية أكله لا تحتاج إلى الذبح ـ سواء أكان إمساكه من محل الذبح أو من موضع آخر ، كان إلى القبلة أو إلى غيرها ـ ولكن لا نعلم أنّه في مقام البيان من جهة اخرى ، وهي جهة طهارة محل الامساك ونجاسته ، ففي مثل ذلك لا يمكن التمسك بالاطلاق كما عرفت ، لعدم قيام السيرة على حمل كلامه في مقام البيان من هذه الجهة.
الثالث : أن لا يأتي المتكلم بقرينة لا متصلة ولا منفصلة وإلاّ فلا يمكن التمسك باطلاق كلامه ، لوضوح أنّ إطلاقه في مقام الاثبات إنّما يكشف عن الاطلاق في مقام الثبوت إذا لم ينصب قرينةً على الخلاف ، وأمّا مع وجودها ،
__________________
(١) البقرة ٢ : ٤٣.
(٢) المائدة ٥ : ٤.