جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) [ ٥ / ٣٢ ] هو على أقوال : « أحدها » ـ هو أن الناس كلهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان ، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعها وأوصل إليهم من المكروه ما أشبه به القتل الذي أوصل إلى المقتول ، فكأنه قتلهم كلهم ، ومن استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو استنقذها من ضلال ، ( فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) أي أجره على الله أجر من أحياهم أجمعين ، كأنه في إسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كل واحد منهم. قال الشيخ أبو علي : وهذا المعنى مروي عن أبي عبد الله عليه السلام. ثم قال : وأفضل ذلك أن يخرجها من ضلال إلى هدى. و « ثانيها » ـ أن من قتل نبيا أو إمام عدل ( فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) ، ثم يعذب عليه كما لو قتل الناس كلهم ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل ( فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) في استحقاق الثواب. و « ثالثها » ـ من قتل نفسا بغير حق فعليه مأثم كل قاتل من الناس ، لأنه سن القتل وسهله لغيره فكان بمنزلة المشارك فيه ، ومن زجر عن قتلها بما فيه حياتها على وجه يقتدى به فيه ـ بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله تعالى ولم يقدم على قتلها لذلك ـ فقد أحيا الناس جميعا بسلامتهم منه ، فذلك إحياؤه إياها (١). قوله : ( رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) [ ٣ / ١٦٤ ] أي من جنسهم عربيا مثلهم ، وقيل من ولد إسماعيل كما أنهم كانوا من ولده. ووجه المنة عليهم في ذلك أنه إذا كان منهم كان اللسان واحدا فيسهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه وفي كونه من أنفسهم شرف لهم ، كقوله ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ).
قَالَ فِي الْكَشَّافِ : وَفِي قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَقِرَاءَةِ فاطمة عليها السلام مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
أي من
__________________
(١) مجمع البيان ج ٢ ص ١٨٦ ، وزاد وجهين آخرين لم يذكرهما الطريحي هنا.