أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها روح العلم وثلج اليقين ، فلا يخالجها شك « الرابعة » ـ الراضية ، وهي التي رضيت بما أوتيت « الخامسة » المرضية ، وهي التي رضي عنها وبعضهم يذكر لها مرتبة أخرى : وهي الملهمة بكسر الهاء على المشهور ، والظاهر فتحها لكونها مأخوذة من قوله تعالى : ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) والملهم الله أو الملك. وفي تجرد النَّفْسِ وكيفية تعلقها بالبدن وتصرفها فيه أبحاث مشهورة مذكورة مقررة في محالها.
وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ عليه السلام « مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ » (١).
أقوال : « منها » ـ أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب.
وَفِي حَدِيثِ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : سَأَلْتُ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قُلْتُ : أُرِيدُ أَنْ تُعَرِّفَنِي نَفْسِي؟ قَالَ : قَالَ : يَا كُمَيْلُ أَيَ نَفْسٍ تُرِيدُ؟ قُلْتُ : يَا مَوْلَايَ هَلْ هِيَ إِلَّا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ : يَا كُمَيْلُ إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ : النَّامِيَةُ النَّبَاتِيَّةُ وَالْحِسِّيَّةُ الْحَيَوَانِيَّةُ ، وَالنَّاطِقَةُ الْقُدْسِيَّةُ ، وَالْكَلِمَةُ الْإِلَهِيَّةُ. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَمْسُ قُوًى وَخَاصَّتَانِ : فَالنَّامِيَةُ النَّبَاتِيَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًى : مَاسِكَةٌ ، وَجَاذِبَةٌ ، وَهَاضِمَةٌ ، وَدَافِعَةٌ ، وَمُرَبِّيَةٌ. وَلَهَا خَاصَّتَانِ الزِّيَادَةُ ، وَالنُّقْصَانُ. وَانْبِعَاثُهَا مِنَ الْكَبِدِ وَهِيَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِ الْحَيَوَانِ. وَالْحَيَوَانِيَّةُ الْحِسِّيَّةُ ، وَلَهَا خَمْسُ قُوًى : سَمْعٌ ، وَبَصَرٌ ، وَشَمٌّ ، وَذَوْقٌ ، وَلَمِّسٌ. وَلَهَا خَاصَّتَانِ : الرِّضَا ، وَالْغَضَبُ. وَانْبِعَاثُهَا مِنَ الْقَلْبِ ، وَهِيَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِ السِّبَاعِ. وَالنَّاطِقَةُ الْقُدْسِيَّةُ ، وَلَهَا خَمْسُ قُوًى : فِكْرٌ ، وَذِكْرٌ ، وَعِلْمٌ ، وَحِلْمٌ ، وَنَبَاهَةٌ. وَلَيْسَ لَهَا انْبِعَاثٌ ، وَهِيَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَهَا خَاصَّتَانِ : النَّزَاهَةُ ، وَالْحِكْمَةُ. وَالْكَلِمَةُ الْإِلَهِيَّةُ ، وَلَهَا خَمْسُ قُوًى : بَقَاءٌ فِي فَنَاءٍ ، وَنَعِيْمٌ فِي شَقَاءٍ ، وَعِزٌّ فِي ذُلٍّ ، وَفَقْرٌ فِي غِنًى ، وَصَبْرٌ
__________________
(١) سَفِينَةِ الْبِحَارِ ج ٢ ص ٦٠٣.