فِي بَلَاءٍ. وَلَهَا خَاصَّتَانِ : الْحِلْمُ ، وَالْكَرَمُ. وَهَذِهِ الَّتِي مَبْدَؤُهَا مِنَ اللهِ وَإِلَيْهِ تَعُودُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ) وَأَمَّا عَوْدُهَا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) وَالْعَقْلُ وَسَطُ الْكُلَّ لِكَيْلَا يَقُولَ أَحَدُكُمْ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا لِقِيَاسٍ مَعْقُولٍ » (١).
وَفِي الْحَدِيثِ « أَفْضَلُ الْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ » (٢).
وقد مر البحث عنه ، ونذكر مزيد بحث وهو أن النَّفْسَ الإنسانية ـ على ما حققه بعض المتبحرين ـ واقعة بين القوة الشهوانية والقوة العاقلة فبالأولى يحرص على تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والسفاد والتغالب وسائر اللذات العاجلة الفانية ، وبالأخرى يحرص على تناول العلوم الحقيقية والخصال الحميدة المؤدية إلى السعادة الباقية أبد الآبدين ، وإلى هاتين القوتين أشار تعالى بقوله ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) وقوله تعالى ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) فإن جعلت أيها الإنسان الشهوة منقادة للعقل فقد فزت فوزا عظيما واهتديت صراطا مستقيما ، وإن سلطت الشهوة على العقل وجعلته منقادا لها ساعيا في استنباط الحيل المؤدية إلى مراداتها هلكت يقينا وخسرت خسرانا مبينا. واعلم أن النَّفْسَ إذا تابعت القوة الشهوية سميت « بهيمية » ، وإذا تابعت الغضبية سميت « سبعية » ، وإن جعلت رذائل الأخلاق لها ملكة سميت « شيطانية » وسمى الله تعالى هذه الجملة في التنزيل « نَفْساً أمارة بالسوء » إن كانت رذائلها ثابتة ، وإن لم تكن ثابتة بل تكون مائلة إلى الشر تارة وإلى الخير أخرى وتندم على الشر وتلوم عليه سماها « لوامة » ، وإن كانت منقادة للعقل العملي سماها « مطمئنة » ، والمعين على هذه المتابعات قطع العلائق البدنية كما قال بعضهم :
إذا شئت أن تحيا فمت عن علائق |
|
من الحس خمس ثم عن مدركاتها |
__________________
(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٦٠٣.
(٢) الكافي ج ٥ ص ٩.