أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب : ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ... ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في ( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.
ثانياً : اصطفاء آدم عليهالسلام ثابت بحسب النصّ القرآني : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ... ) (٢).
ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدم عليهالسلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.
رابعاً : الضمير في ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :
الأوّل : أن يرجع إلى ( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.
الثاني : أن يرجع إلى ( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن ( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ... ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.
خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدم عليهالسلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.
سادساً : الظاهر من الآية المذكورة : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ... ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بدلالة سبقها بآية ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ
____________
١ ـ فاطر : ٣١.
٢ ـ آل عمران : ٣٣.
٣ ـ غافر : ٥٣.