ومنها : قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) (١) فأضاف ذلك إلى السفهاء ، وهذا يدلّ أنّه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.
وليس لأحد أن يقول : لو كان موسى عليهالسلام يسأل الرؤية لقومه ، فلم يضف السؤال إلى نفسه ، فيقول : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ، ولم كان الجواب مختصّاً به في قوله : ( لَن تَرَانِي )؟ وذلك أنّه غير ممتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه ، مع أنّ المسألة كانت من أجل غيره ، إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس.
فلهذا يقول أحدنا إذا شفّع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك أن تفعل بي كذا وكذا ، وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفّعتك ، وما جرى مجرى هذه الألفاظ.
وإنّما حسن هذا لأنّ للسائل في المسألة غرضاً ، وإن رجعت إلى آخر لتحقّقه بها ، وتكلّفه كتكلفه إذا اختصّه.
وأمّا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ) يظهر من كلامك أنّك تريد أن تقول : أنّ فعل النبيّ هذا ـ وهو التحريم ـ يقدح في عصمته ، لأنّ العتاب الموجّه له من الله ما هو إلاّ ذمّ للنبي صلىاللهعليهوآله على فعله هذا ، والذمّ لابدّ أن يكون على شيء قبيح ، وهو يقدح بالعصمة ، هذا ما فهمناه من كلامك.
وما يقال في تفسير هذه الآية : إنّها تومي إلى عمل من الأعمال المحلّلة ، التي يقترفها النبيّ صلىاللهعليهوآله لا ترتضيه أزواجه ، فضيّقن عليه وآذينه حتّى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد.
وقوله : ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) ، المراد بالتحريم التسبيب إلى الحرمة بالحلف ، على ما تدلّ عليه الآية التالية ، فإنّ ظاهر قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... ) (٢) أنّه صلىاللهعليهوآله حلف على ذلك ، ومن شأن اليمين
____________
١ ـ الأعراف : ١٥٥.
٢ ـ التحريم : ٢.