الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليهالسلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.
فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليهالسلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقال عليهالسلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (١).
ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره عليهالسلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار » (٢).
٢ ـ الامتحان والاختبار :
وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليهالسلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه » (٣).
ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٥).
____________
١ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٦ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨١.
٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٢٩.
٣ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٥ ، الكافي ١ / ٣٣٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩١.
٤ ـ الملك : ٢.
٥ ـ العنكبوت : ٢.