قلت : فتسليم الإمام على مَنْ يقع؟ قال على ملائكته والمأمومين ، يقول لملائكته : اكتبا سلامة صلاتي ممّا يفسدها ، ويقول لِمَنْ خَلْفَهُ : سلّمتم وأمِنْتُم من عذاب الله عزوجل.
قلت : فَلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحيّة المَلَكَيْنِ ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار يوم القيامة ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت له جميع أعماله ، وإن لم تسلم له صلاته وردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة (١).
فقد دلّ هذا الخبر على ما دلّ عليه الخبر الذي قبله من وجوب قصد الخطاب بالتسليم لمعيّن ، وعلى استحباب إدخال الملكين في القصد ، وعلى وجوب قصد المأموم مع من يجب قصده ، خصوصاً مع ملاحظة غيره معه من الأدلّة ، وعلى وجوب قصد الإمام مع مَلَكَيْهِ تبعاً له بالردّ ، كما هو شأن ردّ السلام في غير الصلاة.
ومثل خبر عبد الله بن الفضل المروي : في ( المعاني ) : سألت أبا عبد الله عليهالسلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال التسليم علامة الأمْنِ ، وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمِنُوا شرَّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِن شرَّهم ، وإن لم يسلِّم عليهم لم يأمَنُوه ، وإن لم يردّوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلاً للكلام وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء الله عزوجل ، وهو واقع من المصلِّي على ملكي الله الموكّلين به (٢).
فقد دلّ هذا الخبر على أن السلام مقصود به خطاب مسلّم عليه ، وأنه يستحبّ ملاحظة الملكين في الخطاب بالتسليم ، لكنّه استحباب عينيّ لأنه أفضل فردي المخيّر ؛ لاستحالة أن يجمع بين المندوب بالذات والواجب بالذات في نيّة واحدة وجوباً أو ندباً.
ودلّت هذه الأخبار كلّها وغيرها على أن المراد بإطلاق الأمر بالتسليم هو التسليم المتعارف بين الناس ، وهو السلام عليكم ، أو وما يتبعها.
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١.
(٢) معاني الأخبار : ١٧٦.