ثم فشا وظهر في القرن الثالث » (١).
نعم قد يثبت الحكم الشرعي في مورد فيدرك العقل علته التامة في مورد آخر ، بأن يدرك مقتضيه وشرطه وعدم المانع منه ، كما في إدراكه حسن العدل وقبح الظلم ، وهذا معنى حكم العقل ، فيثبت حكم الشرع للملازمة بينهما.
وليس هذا من القياس والتعدي عن مورد الحكم الى غيره بتوسط الظنون العقلية بل للجزم بوجود علة الحكم التامة في المورد الثاني ، فهو نظير التعدي عن مورد الحكم المنصوص العلة الى مورد آخر أحرزنا العلة فيه. بل يثبت الحكم الشرعي عند إدراك العقل علته التامة إبتداء في مورد وإن لم يكن ثابتاً في مورد آخر ، للملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي.
وقوّى استاذنا المحقق الخوئي أن يكون وجوب حفظ المؤمن من التلف من هذا الباب ، وأفاد في وجه ذلك : أن الدليل النقلي من الكتاب والسنة إنما قام على حرمة قتله وظلمه وإيذائه ، ولم يقم على وجوب حفظه ، لكنه لا يبعد أن يكون وجوبه من المستقلات العقلية ، فان المؤمن محبوب عند اللّه تعالى فلا يرضى بتلفه ، ولا مفسدة تزاحم تلك المصلحة فيحكم العقل بالوجوب ويلزمه حكم شرعي ، فان المشرّع رئيس العقلاء.
لكن هذا نادر جداً ، فان العقل وإن أدرك المصلحة أحياناً لكنه لا يقوى على إدراك عدم المزاحم لها ، لقصوره عن الاحاطة بجميع الخصوصيات الداعية الى التشريع ما لم ينّبه عليها المشّرع. ولذا قال المحقق النائيني :
__________________
١ ـ ملخص إبطال القياس ص ٥.