ويوهن بما سبق (١) من اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار. ومعنى حسن الظن بهم أنهم لا يرتكبون الجزاف ، ولا يعملون بخبر ما لم يكن حجة لديهم ، وليس معناه صحة تلك المباني التي اعتمدوا عليها ، فلا يكشف عملهم عن قيام تلك القرائن لديهم ، وإنما عمل كل على مبناه.
وهناك وجه آخر لاعتبار الشهرة ، وهو أن يقال : لو ساغ مخالفة ما اشتهر بين الفقهاء بترك ما عملوا به من الأخبار ، والعمل بما أعرضوا عنه منها ، للزم تأسيس فقه جديد غير ما هو المحرر في كتبنا الفقهية.
وقد استدل بذلك استاذنا المحقق الحكيم على توهين الخبر المعرض عنه قائلاً : « ... بل لو بني على العمل بما أعرض عنه الأصحاب لحصل لنا فقه جديد ، فالمتعين تأويله أو طرحه الخ » (٢).
والجواب عن ذلك أن الفقه الجديد إنما يحصل لو علمنا بكل ما أعرضوا عنه وأعرضنا عن كل ما عملوا به من الأخبار. والأمر ليس كذلك ، فان غالب ما عمل به الأصحاب حجة في نفسه ، فنعمل به بدون توقف على اشتهار عملهم ، كما وأن غالب ما أعرضوا عنه ليس بحجة في نفسه ، فلا نعمل به بدون توقف على اشتهار إعراضهم. وهناك موارد أطبق الفقهاء فيها على العمل بخبر ضعيف السند ، أو الأعراض عن خبر صحيح السند ، فيحصل الاطمئنان من ذلك بحجية الأول ، وعدم حجية الثاني. وفي جميع ذلك نوافق ما اشتهر بين الاصحاب عملاً وإعراضاً.
وما عدا ذلك موارد قليلة اشتهر بينهم الاعراض فيها عن الخبر الصحيح ، والعمل بالخبر الضعيف بحيث لا يلزم من مخالفتهم فيها محذور تأسيس الفقه الجديد ، إذ لا يزيد الخلاف فيها على الخلاف بينهم في كثير من فروع الفقه ، وغيرها كالخلاف بين من يقول بحجية الخبر الحسن والموثق
____________
١ ـ انظر ص ٥٥ ، وما بعدها.
٢ ـ المستمسك ج ٥ ص ٧٠.