وثانياً : بأن الاجماع على تصحيح ما يصح عن اولئك الجماعة لا يلازم وثاقة من رووا عنه ، اذ كما تطلق صحة الحديث لدى القدماء على ما رواه الثقات تطلق على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وان كان الراوي ضعيفاً وفاسقاً ، على خلاف مصطلح المتأخرين ، ولعل الاطلاق الثاني اكثر شيوعاً لديهم من الاول ، وقد سبق (١).
ولذا قال الشيخ الاصبهاني في ( الفصول ) (٢) : « ... فهذه العبارة منقولة عن المتقدمين وقد عرفت ان تصحيحهم لا يقتضي التوثيق ». وقال الشيخ النوري : « ... ما ذكره يتم على القول بكون مفاد العبارة وثاقة الجماعة المدكورين او وثاقتهم ووثاقة كل من كان في السند بعد احدهم. وأما على ما هو المشهور من ان المراد صحة احاديث الجماعة بالمعنى المصطلح عند القدماء ، فلا دلالة فيها ولو بالالتزام على وثاقتهم ، لجواز كون وجه الصحة احتفاف احاديثهم بالقرائن الخارجية التي تجامع ضعف راويها ، كما صرح به جماعة منهم الخ » (٣). وعلى هذا فلا وجه لقياس هذا الاجماع بتوثيق الراوي في كتب الرجال.
وثالثاً : بأن توثيق الراوي ، وتزكيته في تلك الكتب ، مستند الى سبر حياته ، ومعرفة اقواله ، وأفعاله الكاشفة عن وثاقته تارة ، وضعفه اخرى لانها امارات يعرف بها حال الرجل ، وتقواه. ولا اشكال في الاعتماد عليها لدى الشرع ، والعرف ، في الجرح ، والتعديل. فيبتني عليها الحكم بعدالته ليؤتم به في الصلاة ، وتقبل شهادته ، وينفذ حكمه في القضاء اذا كان مجتهداً
__________________
١ ـ انظر ص ١٩.
٢ ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.
٣ ـ مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٥٩.